الأربعاء، 8 ديسمبر 2010

اسباب بطلان حكم التحكيم




اسباب بطلان حكم التحكيم
السبب الأول لبطلان حكم التحكيم
يبطل حكم التحكيم إذا لم يوجد اتفاق تحكيم
أو كان هذا الاتفاق باطلا أو قابلا للإبطال أو سقط بانتهاء مدته


السند القانوني للبطلان في هذه الحالة : نص الفقرة الأولي - بند أ - من قانون التحكيم 27 لسنة 1994 والذي يجري : لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا فى الأحوال الآتية :


أ- إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو كان هذا الاتفاق باطلاً أو قابلاً للإبطال أو سقط بانتهاء مدته.


لذا : يبطل حكم التحكيم إذا لم يوجد اتفاق تحكيم ، فاتفاق التحكيم هو حجز الزاوية في عملية التحكيم ، سواء كان التحكيم داخلياً أو تحكيمياً تجارياً دولياً ، والحديث عن اتفاق التحكيم هو حديث عن دور الإرادة - إرادة الأفراد - في التحكيم ، فيعتمد التحكيم في جوهره علي تراضي الأفراد وانبثاق التحكيم عن الاتفاق باعتباره مصدر وجوده هو القاعدة التي تبنتها الاتفاقية الدولية للتحكيم الدولي وذلك فيما نصت عليه من سريان أحكامها في شأن كل اتفاق يهدف الي تسوية نزاع قائم أو محتمل يرتبط بالتجارة الدولية ويكون مبرماً بين أشخاص طبيعيين أو اعتباريين .
يبطل حكم التحكيم إذا كان اتفاق التحكيم باطلاً أو قابلاً للبطلان أو سقط بانتهاء مدته ، ومنعاً للتكرار يرجي إعادة تصفح الباب الثاني من المجلد الأول والذي تعرضنا من خلاله لاتفاق التحكيم وشروط صحته وبطلانه

السبب الثاني لبطلان حكم التحكيم

يبطل حكم التحكيم إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم
وقت إبرامه فاقد الأهلية أو ناقصها وفقا للقانون الذى يحكم أهليته
السند القانوني للبطلان في هذه الحالة : نص الفقرة الأولي - بند ب - من قانون التحكيم 27 لسنة 1994 والذي يجري : لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا فى الأحوال الآتية :


أ- …………………………………………………………………… .
ب- إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية أو ناقصها وفقا للقانون الذى يحكم أهليته .


لذا : ليس تكرار دون فائدة أن نقول أن اتفاق التحكيم هو حجز الزاوية في عملية التحكيم ، سواء كان التحكيم داخلياً أو تحكيمياً تجارياً دولياً ، ولا يمكننا القول بوجود اتفاق تحكيم إذا كان أحد أطـراف اتفاق التحكيم فاقد الأهلية أو ناقصها لذا اعتد المشرع بفقد الأهلية ونقصها كأسباب لبطلان حكم التحكيم ، وبطلان حكم التحكيم لهذا السبب ليس إلا تطبيقاً للقواعد العامة ، ونعني بالقواعد العامة في هذا المقام أحكام القانون المدني - كما أن هذا السبب من أسباب بطلان أحكام التحكيم هو سبب عام اتفقت عليه جميع الاتفاقيات الدولية النافذة في هذا المقام .





السبب الثالث لبطلان حكم التحكيم

يبطل حكم التحكيم إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلاناً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته


السند القانوني للبطلان في هذه الحالة : نص الفقرة الأولي - بند ج - من قانون التحكيم 27 لسنة 1994 والذي يجري : لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا فى الأحوال الآتية :


أ- …………………………………………………………………… .
ب- ………………………………………………………………….


ج - إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلاناً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خـارج عن إرادته .


وعن الحق في الدفاع تقول المحكمة الدستورية العليا : إن ضمان الدستور - بنص المادة 69 - لحق الدفاع قد نقرر باعتباره أحد الأركان الجوهرية لسيادة القانون كافلاً للخصومة القضائية عدالتها وبما يصون قيمتها ويندرج تحتها ألا يكون الفصل فيها بعيداً عن أدلتها أو نابذاً للحق في إجهاضها من خلال مقابلتها بما يهدمها من الأوراق وأقوال الشهود فلا يكون بنيان الخصومة متحفياً حقوق أحد من الخصوم بل مكافئا بين فرصهم في مجال إثباتها أو نفيها استظهار لحقائقها .
لذا :
1- يبطل حكم التحكيم إذا كان عدم تقديم خصم التحكيم لدفاعه مرده عدم إعلانه إعلاناً صحيحاً ، سواء كان الإعلان بتعين محكم أو بإجراءات التحكيم ، فإذا كان الإعلان باطلاً فإنه لا ينتج أثره بطبيعة الحال ، وإن تم صحيحاً ولم يتمكن الخصم من إبداء دفاعه لسبب لا يرجع لإرادته ارجع البطلان للإخلال الجسيم بحق الدفاع .
2- ويبطل حكم التحكيم إذا كان عدم تقديم خصم التحكيم لدفاعه مرده سبب آخر - خلاف عدم إعلانه قانوناً - المهم أن يكون عدم إبداء الدفاع مرده سبب خارج عن إرادته .




وبطلان حكم التحكيم لسبب - ليس من قبل الخصم - يقول عنه الدكتور أحمد صاوى أنه يدخل في عموم هذا السبب وقوع غش من الخصم كان من شأنه التأثير علي الحكم ، أو إذا حصل بعد الحكم إقرار بتزوير الأوراق التي بني عليها أو قضي بتزويرها ، أو بني الحكم علي شهادة شاهد قضي بعد صدور الحكم بأنها مزورة ، أو إذا حصل الخصم بعد صدور الحكم علي أوراق قاطعة في الدعوى كان خصمه قد حال دون تقديمها ، فهذه الصور جميعاً التي كانت تعد من أسباب التماس إعادة النظر والذي ألغي كطريق للطعن في حكم التحكيم تدخل في عموم تعذر إبداء الخصم لدفاعه بسبب خارج عن إرادته ، الأمر الذي يخل بحق الدفاع كمبدأ أساسي يقوم عليه التقاضي سواء بالقضاء أو بالتحكيم الأمر الذي يبطل حكم التحكيم .





السبب الرابع لبطلان حكم التحكيم

يبطل حكم التحكيم إذا استبعد الحكم تطبيق القانون
الذى اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع


السند القانوني للبطلان في هذه الحالة : نص الفقرة الأولي - بند د - من قانون التحكيم 27 لسنة 1994 والذي يجري : لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا فى الأحوال الآتية :


أ- …………………………………………………………………… .
ب- ………………………………………………………………….
ج - ………………………………………………………………… .
د- إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذى اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع .


لذا :


يبطل حكم التحكيم ، ومن ثم يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذى اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع ، أساس ذلك - وكما نكرر دائناً - أن جوهر التحكيم إرادة المتحكمين ، ويدخل في صلاحيات هذه الإرادة اختيار القانون الذي يطبق علي موضوع النزاع ، سواء كان الاتفاق صريحاً أو ضمناً كما تسفر عنه قواعد تنازع القوانين .


وثمة فارق بين مخالفة حكم التحكيم للقانون الإجرائي الذي اتفق الأطراف علي تطبيقه علي إجراءات التحكيم ، ومخالفة حكم التحكيم للقانون الذي يطبق علي موضوع النزاع ؛ صحيح أن مخالفة أي منهما يعد سبباً لبطلان حكم التحكيم ، لكن مخالفة القانون الإجرائي الواجب التطبيق يدخل يعد تطبيقاً لبطلان إجراءات التحكيم ، لا لاستبعاد هيئة التحكيم لقانون واجب التطبيق ، فالفارق بين إجراءات التحكيم والقانون الموضوعي الذي يحكم موضوع النزاع لا يمكن التغاضي عنه ، ولا يمكن تحميل الفقرة السالفة تفسيراً لا تحتمله .
الخطأ في تطبيق القانون وتأويله وتفسيره كصورة وتطبيق لبطلان حكم التحكيم بسبب استبعاد القانون الذي يحكم موضوع التحكيم :


يقول العميد الدكتور أحمد صاوى : يدخل في عموم هذا السبب - كسبب لبطلان حكم التحيكم - الخطأ في تطبيق القانون أو تفسيره أو تأويله لأنه يعتبر ضرباً من ضروب استبعاد القانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع ، الأمر الذي يبطل الحكم ، والقول بغير ذلك يجعل تحديد الأطراف للقانون الواجب التطبيق علي النزاع ضرباً من العبث .


هل يمكن رفع دعوى بطلان حكم التحيكم لمخالفة مبدأ المعاملة بالمثل :


إذا قلنا أن اتفاق التحكيم لا يعني بشيء إرادة الأفراد ، فحاصل ذلك أن لهذه الإرادة أن تختار النظام الإجرائي الذي تخضع له عملية التحكيم ، كما أن لهذه الإرادة أن تختار القانون الموضوعي الذي يحكم النزاع ، وطبقاً لقانون التحكيم المصري لا يحول بين أطراف التحكيم وبين اختيار أي نظام إجرائي أو موضوعي إلا قيد واحد هو عدم مخالفة النظام العام لجمهورية مصر العربية .
نكرر : اتفاق أطراف الخصومة علي تطبيق قانونهم الإجرائي وأي قانون موضوعي يختارونه لا يخول أطراف النزاع الطعن ببطلان حكم التحيكم ولو استبعد حكم التحكيم الأجنبي القانون المصري من التطبيق .
وتبقي كلمة هامة : أنه ورغم صحـة ما أوردناه فإنه يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم الأجنبي إذا استبعـد تطبيق حكم التحكيم القانون المصري الواجب التطبيق وأريد تنفيذه في مصر .


أما عن الأساس القانوني لدعوى بطلان حكم التحكيم بسبب استبعاد حكم التحكيم الأجنبي للقانون المصري الواجب التطبيق والذي يراد تنفيذه في مصر فهو صريح نص المادة الرابعة عشر من اتفاقية نيويورك التي تنص علي أنه لا يجوز لإحدى الدول الطرف في الاتفاقية أن تحتج بنصوص هذه الاتفاقية في مواجهة دولة أخري متعاقدة إلا بالقدر الذي ارتبط به في الاتفاقية .


وحاصل فهم المادة الرابعة عشرة من اتفاقية نيويورك أنه يجوز التمسك ببطلان حكم التحكيم والتمسك بعدم تنفيذه لمخالفة مبدأ المعاملة بالمثل ، ويمكننا القول أن المادة 296 من قانون المرافعات تزيد الأمر إيضاحاً في تأسيس دعوى البطلان إذ يجري نصها : الأحكام والأوامر الصادرة فى بلد أجنبي يجوز الأمر بتنفيذها بنفس الشروط المقررة فى قانون ذلك البلد لتنفيذ الأحكام والأوامر المصرية فيه .












السبب الخامس لبطلان حكم التحكيم



يبطل حكم التحكيم إذا تم تشكيل هيئة التحكيم
أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين


السند القانوني للبطلان في هذه الحالة : نص الفقرة الأولي - بند هـ - من قانون التحكيم 27 لسنة 1994 والذي يجري : لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا فى الأحوال الآتية :


أ- ……………………………………………………………………
ب- …………………………………………………………………
ج - …………………………………………………………………
د- ……………………………………………………………………
هـ - إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين .


لذا :


وطبقاً للفقرة هـ المشار إليها يحق رفع دعوى بطلان حكم التحكيم في الحالات الآتية :
1- بطلان في تشكيل هيئة التحكيم - تنص المادة 15 من قانون التحكيم : 1- تشكل هيئة التحكيم باتفاق من محكم واحد أو أكثر فإذا لم يتفقا على عدد المحكمين كان العدد ثلاثة .
2-إذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وترا ، وإلا كان التحكيم باطلا


2- بطلان في تعيين هيئة التحكيم - تنص المادة 16 فقرة 2 من قانون التحكيم : لا يشترط أن يكون المحكم من جنس أو جنسية معينة إلا إذا اتفق طرفا التحكيم أو نص القانون على غير ذلك .


3 - بطلان في إجراءات قبول مهمة التحكيم - تنص المادة 16 فقرة 2 من قانون التحكيم : يكون قبول المحكم القيام بمهمته كتابة ، ويجب عليه أن يفصح عند قبوله عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك استقلاله أو حيدته .
4 - بطلان في تشكيل هيئة التحكيم - تنص المـادة 17 فقـرة ب من قانون التحكيم :إذا كانت هيئـة التحكيم مشكلة من محكم واحد تولت المحكمة المشار إليها فى المادة 9 من هذا القانون اختياره بناء على طلب أحد الطرفين .


5 - بطلان في تشكيل هيئة التحكيم - تنص المادة 17 فقرة 3 : وتراعى المحكمة فى المحكم الذى تختاره الشروط التى يتطلبها هذا القانون وتلك التى اتفق عليها الطرفان ، وتصدر قرارها باختيار المحكم على وجه السرعة ، ومع عدم الإخلال بأحكام المادتين 18 ، 19 من هذا القانون لا يقبل هذا القرار الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن .


القيد الوارد علي رفع دعوى بطلان حكم التحكيم بسبب مخالفة تشكيل هيئة التحكيم
للقانون أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين .


تنص المادة 8 من قانون التحكيم المصري : إذا استمر أحد طرفي النزاع فى إجراءات التحكيم مع علمه بوقوع مخالفة لشرط فى اتفاق التحكيم أو لحكم من أحكام هذا القانون مما يجوز الاتفاق على مخالفته ولم يقدر اعتراضا على هذه المخالفة فى الميعاد المتفق عليه أو فى وقت معقول عند عدم الاتفاق اعتبر ذلك نزولا منه عن حقه فى الاعتراض .


ويراعي : أن سقوط الحق في طلب البطلان مقيد بما يجوز لأطراف الخصومة التحكيمية الاتفاق علي مخالفته ، أما ما لا يجوز الاتفاق علي مخالفته كالنظام العام فلا يحول ذلك دون رفع دعوى بطلان حكم التحكيم .

السبب السادس لبطلان حكم التحكيم

يبطل حكم التحكيم إذا فصل حكم التحكيم فى مسائل
لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق


السند القانوني للبطلان في هذه الحالة : نص الفقرة الأولي - بند و - من قانون التحكيم 27 لسنة 1994 والذي يجري : لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا فى الأحوال الآتية :


أ- ……………………………………………………………………
ب- …………………………………………………………………
ج - …………………………………………………………………
د- ……………………………………………………………………
هـ - …………………………………………………………………
و- إذا فصل حكم التحكيم فى مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق . ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها .


لذا : يبطل حكم التحكيم في حالتين :
الحالة الأولي : إذا فصل حكم التحكيم فى مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم .
الحالة الثانية : إذا جاوز حكم التحكيم حدود هذا اتفاق التحكيم .


وتبرير ذلك أن اتفاق التحكيم - طبقاً للفقرة الأولي من المادة 10 من قانون التحكيم - هو اتفاق الطرفين - أطراف التحكيم - على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التى نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية ، ويعتبر - طبقاً لحكم الفقرة الثالثة من المادة 10 من قانون التحكيم - اتفاقا على التحكيم كل إحالة ترد فى العقد إلى وثيقة تتضمن شروط تحكيم إذا كانت الإحالة واضحة فى اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد .


وحاصل ما سبق أن التحكيم يقوم أساساً علي اتفاق الطرفين علي الالتجاء الي التحكيم دون القضاء لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية ، فاختصاص جهة التحكيم بنظر النزاع وإن كان يرتكن الي القانون الذي أجاز استثناء سلب اختصاص جهات القضاء ؛ إلا أنه ينبني مباشرة وفي كل حالة علي حدة علي اتفاق الطرفين شرطاً أو مشارطة ، فإرادة الطرفين هي التي تخلق التحكيم كطريق استثنائي لفض المنازعات التي تنشب بين الأطراف وتلك الإرادة أيضاً هي التي تحدد - حصرياً - المسائل التي يطلب الفصل فيها .




الحكم ببطلان حكم التحكيم بسبب فصل حكم التحكيم فى مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو تجاوز حدود هذا الاتفاق لا يشمل سوى المسائل التي منعت علي هيئة التحكيم


وفي ذلك قررت المادة 53 فقرة 1 - و - من قانون التحكيم المصري : ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها .






السبب السابع لبطلان حكم التحكيم

يبطل حكم التحكيم إذا وقع بطلان فى حكم التحكيم
أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلانا أثر فى الحكم .


السند القانوني للبطلان في هذه الحالة : نص الفقرة الأولي - بند ز - من قانون التحكيم 27 لسنة 1994 والذي يجري : لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا فى الأحوال الآتية :


أ- ……………………………………………………………………
ب- …………………………………………………………………
ج - …………………………………………………………………
د- ……………………………………………………………………
هـ - …………………………………………………………………
و- ……………………………………………………………………
ز- إذا وقع بطلان فى حكم التحكيم ، أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلانا أثر فى الحكم .
لذا : يبطل حكم التحكيم في حالتين :


الحالة الأولي : إذا كان حكم التحكيم باطلاً .
الحالة الثانية : إذا كانت إجراءات باطلة وأثر ذلك في الحكم .


فيحق رفع دعوى بطلان حكم التحكيم ليكون حكم التحكيم باطلاً :
1- عدم وجود اتفاق صريح علي التحكيم بالصلح .
2- صـدور حكم التحكيم دون أغلبية الآراء او الإجماع المطلوب بالاتفـاق أو
دون تسبيب .


3- صدور حكم التحكيم دون توقيع من المحكمين الذين وافقوا عليه .
4- صدور حكم التحكيم دون مراعاة الميعاد المحدد قانوناً أو اتفاقاً .


ويحق رفع دعوى بطلان حكم التحكيم بسبب بطلان إجراءات التحكيم :


1- صـدور حكم التحكيم دون اتباع الإجراءات المتفق عليها بين طرفي التحكيم
2- صدور حكم التحكيم دون مراعاة المبادئ الأساسية كالمساواة واحترام حقوق الدفاع ومبدأ المواجهة .
تنص المادة 43 من قانون التحكيم : (1) يصدر حكم التحكيم كتابة ويوقعه المحكمون ، وفى حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من محكم واحد يكتفى بتوقيعات أغلبية المحكمين بشرط أن تثبت فى الحكم أسباب عدم توقيع الأقلية .
(2) يجب أن يكون حكم التحكيم مسببا إلا إذا اتفق طرفا التحكيم على غير ذلك أو كان القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم لا يشترط ذكر أسباب الحكم .
(3) يجب أن يشتمل حكم التحكيم على أسماء الخصوم وعناوينهم وأسماء المحكمين وعناوينهم وجنسياتهم وصفاتهم وصورة من اتفاق التحكيم وملخص لطلبات الخصوم وأقوالهم ومستنداتهم ومنطوق الحكم وتاريخ ومكان إصداره وأسبابه إذا كان ذكرها واجبا .


تنص المادة 44 من قانون التحكيم : 1-تسلم هيئة التحكيم إلى كل من الطرفين صورة من حكم التحكيم موقعة من المحكمين الذين وافقوا عليه خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدوره .
2-ولا يجوز نشر حكم التحكيم أو نشر أجزاء منه إلا بموافقة طرفي التحكيم .
ج
تنص المادة 43 من قانون التحكيم : (1) على هيئة التحكيم إصدار الحكم المنهى للخصومة كلها خلال الميعاد الذى اتفق عليه الطرفان ، فإن لم يوجد اتفاق وجب أن يصدر الحكم خلال أثنى عشر شهرا من تاريخ بدء إجراءات التحكيم ، وفى جميع الأحوال يجوز أن تقرر هيئة التحكيم مد الميعاد على ألا تزيد فترة المد على ستة أشهر ما لم يتفق الطرفان على مدة تزيد على ذلك .
(2) وإذا لم يصدر حكم التحكيم خلال الميعاد المشار إليه فى الفترة السابقة جاز لأى من طرفي التحكيم أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها فى المادة (9) من هذا القانون ، وأن يصدر أمرا بتحديد ميعاد إضافى أو إنهاء إجراءات التحكيم ، ويكون لأي من الطرفين عندئـذ رفع دعواه إلى المحكمة المختصة أصلا بنظرها .


تنص المادة 25 من قانون التحكيم : لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التى تتبعها هيئة التحكيم بما فى ذلك حقهما فى إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة فى أى منظمة أو مركز تحكيم فى جمهورية مصر العربية أو خارجها فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق كان لهيئة التحكيم ، مع مراعاة أحكام هذا القانون ، أن اختار إجراءات التحكيم التى تراها مناسبة .


تنص المادة 26 من قانون التحكيم : يعامل طرفا التحكيم على قدم المساواة وتهيأ لكل منهما فرصة متكافئة وكاملة لعرض دعواه .
وتنص المادة 27 من قانون التحكيم : تبدأ إجراءات التحكيم من اليوم الذى يتسلم فيه المدعى عليه طلب التحكيم من المدعى ، ما لم يتفق الطرفان على موعد آخر .
وتنص المادة 30 من قانون التحكيم : (1) يرسل المدعى خلال الميعاد المتفق عليه بين الطرفين أو الذى تعينه هيئة التحكيم إلى المدعى عليه وإلى كل واحد من المحكمين بيانا مكتوبا بدعواه يشتمل على اسمه وعنوانه واسم المدعى عليه وعنوانه وشرح لوقائع الدعوى وتحديد للمسائل محل النزاع وطلباته وكل أمر آخر يوجب اتفاق الطرفين ذكره فى هذا البيان .
(2) ويرسل المدعى عليه خلال الميعاد المتفق عليه بين الطرفين أو الذى تعينه هيئة التحكيم إلى المدعى وكل واحد من المحكمين مذكرة مكتوبة بدفاعه ردا على ما جاء ببيان الدعوى ، وله أن يضمن هذه المذكرة أية طلبات عارضة متصلة بموضوع النزاع أو أن يتمسك بحق ناشئ عنه بقصد الدفع بالمقاصة وله ذلك ولو فى مرحلة لاحقة من الإجراءات إذا رأت هيئة التحكيم أن الظروف تبرر التأخير .
(3) يجوز لكل من الطرفين أن يرفق ببيان الدعوى أو بمذكرة الدفاع على حسب الأحوال ، صورا من الوثائق التى يستند إليها وأن يشير إلى كل أو بعض الوثائق وأدلة الإثبات التى يعتزم تقديمها ولا يخل هذا بحق هيئة التحكيم فى أي مرحلة كانت عليها الدعوى فى طلب تقديم أصول المستندات أو الوثائق التى يستند إليها أي من طرفي الدعوى .
وتنص المادة 31 من قانون التحكيم : ترسل صورة مما يقدمه أحد الطرفين إلى هيئة التحكيم من مذكرات أو مستندات أو أوراق أخرى إلى الطرف الآخر وكذلك ترسل إلى كل من الطرفين صورة من كان ما يقدم إلى الهيئة من تقارير الخبراء والمستندات وغيرها من الأدلة .
وتنص المادة 32 من قانون التحكيم : (1) تعقد هيئة التحكيم جلسات مرافعة لتمكين كل من الطرفين من شرح موضوع الدعوى وعرض حججه وأدلته ، ولها الاكتفاء بتقديم المذكرات والوثائق المكتوبة ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك .
(2) ويجب إخطار طرفي التحكيم بمواعيد الجلسات والاجتماعات التى تقرر هيئة التحكيم عقدها قبل التاريخ الذى تعينه لذلك بوقت كاف تقدره هذه الهيئة حسب الظروف .
(3) وتدون خلاصة وقائع كل جلسة تعقدها هيئة التحكيم فى محضر تسلم صورة منه إلى كل من الطرفين ما لم يتفقا على غير ذلك .
(4) ويكون سماع الشهود والخبراء بدون أداء يمين .
وتنص المادة 36 من قانون التحكيم : (1) هيئة التحكيم تعيين خبيرا أو أكثر لتقديم تقرير مكتوب أو شفهى يثبت فى محضر الجلسة بشأن مسائل معينة تحددها ، وترسل إلى كل من الطرفين صورة من قرارها بتحديد المهمة المسندة إلى الخبير .
(2) وعلى كل من الطرفين أن يقدم إلى الخبير المعلومات المتعلقة بالنزاع وأن يمكنه من معاينة وفحص ما يطلبه من وثائق أو بضائع أو أموال أخرى متعلقة بالنزاع ، وتفصل هيئة التحكيم فى كل نزاع يقوم بين الخبير وأحد الطرفين فى هذا الشأن .
(3) وترسل هيئة التحكيم صورة من تقرير الخبير بمجرد إيداعه إلى كل من الطرفين من إتاحة الفرصة له لإبداء رأيه فيه ، ولكل من الطرفين الحق فى الإطلاع على الوثائق اتى استندت إليها الخبير فى تقريره وفحصها .
(4) ولهيئة التحكيم بعد تقديم تقرير الخبير أن تقرر من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد طرفى التحكيم عقد جلسة لسماع أقوال الخبير مع إتاحة الفرصة للطرفين لسماعه ومناقشته بأن ما ورد فى تقريره ، ولكل من الطرفين أن يقدم فى هذه الجلسة خبيرا أو أكثر من طرفه لإبداء الرأى فى المسائل التى تناولها تقرير الذى عينته هيئة التحكيم ما لم يتفق طرفا التحكيم على غير ذلك .
السبب الثامن لبطلان حكم التحكيم

يبطل حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام
فى جمهورية مصر العربية




السند القانوني للبطلان في هذه الحالة : نص الفقرة الثانية من قانون التحكيم 27 لسنة 1994 والذي يجري : وتقضى المحكمة التى تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام فى جمهورية مصر العربية .


وتنص المادة 28 من القانون المدني : لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبي عينته النصوص السابقة ، إذا كانت هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو للآداب في مصر.


النظام العام في جمهورية مصر العربية :
يقصد بالنظام العام في دولة ما مجموعة الأصول والقيم العليا التي تشكل كيانها المعنوي وترسم صورة الحياة الإنسانية المثلي فيها وحركتها نحو تحقيق أهدافها ، سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية أو خلقية ، وهي بهذه المثابة مبادئ وقيم تفرض نفسها علي مختلف أنواع العلاقات القانونية في الدولة ، وجوداً وأثراً ، غالباً في صورة قواعد قانونية آمرة تحكم هذه العلاقة ، والمظهر العملي لهذه القواعد والوظيفة التي تؤديها هو بطلان كل عمل إرادي يأتيه المخاطب بها بالمخالفة لها ، عقداً كان هذا العمل أو عملاً منفرداً من ناحية ، وعدم جواز النزول عن الحقوق والمراكز القانونية التي تقررها للبعض منهم قبل البعض الآخر ، من ناحية أخري .


هناك إذن علاقة تبادلية بين مفهوم النظام العام وبين القواعد الآمرة ، فالنظام العام هو السبب في اكتساب بعض قواعد القانون صفتها الآمرة ، وهو ما يبرر من ناحية وجود قواعد تصف بأنها قواعد أو نصوص آمرة بقانون التحكيم ، كما أنه يبرر البطلان كجزاء وأثر علي مخالفة ما يتعلق بالنظام العام .
قضي وقبل إصدار قانون التحكيم المصري في البطلان لمخالفة النظام العام : مفاد نص المادة 501 من قانون المرافعات - و على ما جرى به قضاء محكمة النقض - تخويل المتعاقدين الحق فى الالتجاء إلى التحكيم لنظر ما قد ينشأ بينهم من نزاع كانت تختص به أصلاً المحاكم ، فاختصاص جهة التحكيم بنظر النزاع و إن كان يرتكن أساساً إلى حكم القانون الذى أجاز إستثناء سلب اختصاص جهات القضاء إلا أنه ينبني مباشرة و فى كل حالة على حدة على اتفاق الطرفين ، كما أن المشرع لم يأت فى نصوص قانون المرافعات بما يمنع أن يكون التحكيم فى الخارج على يد أشخاص غير مصريين ، لأن حكمة تشريع التحكيم تنحصر فى أن طرفي الخصومة يريدان بمحض إرداتهما و اتفاقهما تفويض أشخاص ليست لهم ولاية القضاء فى أن يقضوا بينهما أو يحسموا النزاع بحكم أو بصلح يقبلان شروطه . فرضاء طرفي الخصومة هو أساس التحكيم ، و كما يجوز لهما الصلح دون وساطة أحد فإنه يجوز لهما تفويض غيرهما فى إجراء هذا الصلح أو فى الحكم فى النزاع يستوى فى ذلك أن يكون المحكمون فى مصر و أن يجرى التحكيم فيها أو أن يكونوا موجودين فى الخارج و يصدر حكمهم هناك فإرادة الخصوم هى التى تخلق التحكيم كطريق استثنائي لفض المنازعات ، و قد أقر المشرع جواز الاتفاق عليه و لو تم فى الخارج - دون أن يمس ذلك النظام العام .


الجمعة، 11 يونيو 2010

التحكيم في عقود التجارة الالكترونية ( ألتحكيم الالكترونى)


التحكيم في عقود التجارة الالكترونية
الدكتور عمر فارس
دكتوراه في قانون الأعمال – فرنسا
قسم القانون التجاري - كلية الحقوق – جامعةحلب

مقدمــة
- مفهوم التجارة الالكترونية
يقصد بالتجارة الالكترونية بالمعنى العام ممارسة مختلف الأعمال التجارية من بيع وشراء وغيرها باستخدام وسائل الاتصال الالكترونية، ووسائل الاتصال الالكترونية لا تقتصر على الحواسيب المتصلة بشبكة الانترنت فحسب بل تشمل أيضاً الهواتف الثابتة والمحمولة والفاكسات والتلكسات وغير ذلك. أما التجارة الالكترونية بالمعنى الخاص فيقصد بها المبادلات التي تتم عبرشبكة الانترنت بعد أن أصبحت شبكة دولية ومتاحة لكل شعوب العالم. وهناك عموماً ثلاثةأنواع للتجارة الالكترونية :
أ - تجارة منتجات مادية (Material Products) : وتتم بشراء السلع التي تعرضها الشركات على مواقعها الالكترونية، وبحيث يتم الدفع فيالغالب بواسطة بطاقة اعتماد مصرفية وإرسال السلع التي تمّ شرائها بطرق النقل التقليدية، ومثال ذلك شراء مواد استهلاكية من المواقع الالكترونية للمراكز التجارية (أو المولات).
ب - تجارة منتجات رقمية (Digital Products) : وتكون بشراء منتج اتتسمح طبيعتها بتحويلها إلى شكل رقمي، وهنا تتم عمليتا دفع الثمن وتسليم المبيع الكترونياً، ومثال ذلك شراء البرامج الحاسوبية والأفلام والصور والكتب والمجلات الالكترونية.
ج – تجارة خدمات (Services Trade) : وهذه أيضاً قد يكون محلهاخدمات تقليدية (Traditional Services) كتقديم الاستشارات القانونية أو الطبية أوالهندسية على شبكة الانترنت (On line)، أو خدمات جديدة خاصة (Special Services) وهي التي لا يمكن تقديمها إلا عن طريق الانترنت كخدمات البريد الالكتروني والبحث عن المعلومات والإعلانات الالكترونية.
- مفهوم عقد التجارة الالكترونية
لقد وجدأطراف المعاملات التجارية في شبكة الانترنت وسيلة ميسرة تحقق مزايا لا حصر لها، وإنكانت أهمها على الإطلاق توفير الوقت والجهد والمال في إبرام الصفقات والعقودالتجارية عبر شبكة الانترنت، ويمكن تعريف عقد التجارة الالكتروني بأنه : "ذاك العقدالذي تتلاقى فيه عروض السلع والخدمات بقبول من أشخاص في ذات الدولة أو في دول أخرى من خلال الوسائط الالكترونية المتعددة, لاسيما الانترنت بهدف إتمام التعاقد". ومنهذا التعريف نستنتج بأن العقد الالكتروني يتصف بخصائص عديدة تميزه عن العقد التقليدي، أهمها أنه :
1- يتم إبرامه دون التواجد المادي لأطرافه وباستخدام وسائل اتصال الكترونية.
2- تستخدم فيه وسائل السداد النقدي الالكترونية بدلاً منالنقود التقليدية.
3- يجري تنفيذه غالباً عبر الانترنت وعن طريق التحميل (Download).
4- يتسم غالباً بالطابع الدولي والتجاري والاستهلاكي.

- الحاجة إلى فضّ المنازعات بوسائل الالكترونية

إذا كان حسم منازعات عقود التجارةالتقليدية يتم عادةً عن طريق اللجوء إلى المحاكم الوطنية أو الوسائل البديلة لحل المنازعات (ADR : Alternatives Dispute Resolution) كالتحكيم والوساطة والتوفيق،فإن هذه الوسائل جميعها يمكن استخدامها لحل المنازعات الناشئة عن عقود التجارةالالكترونية. ولكن منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي ومع انتشار استعمال شبكةالانترنت في جميع دول العالم بدأ التفكير جدياً بحلّ المنازعات إلكترونياً، أيباستخدام البريد الإلكتروني (E-mail) أو المواقع الإلكترونية (Sites) أو الاجتماعات السمعية والبصرية (Videoconference)، وذلك نظراً لما تتمتع به هذه الوسائل من مزاياكبيرة من حيث السرعة والاقتصاد في الوقت والنفقات. مع العلم أن هذا الأمر لم يقتصرعلى الوسائل البديلة لحلّ المنازعات بل أُفسح المجال كذلك لإنشاء محاكم الكترونية (Cyber Tribunals).
وبخصوص التحكيم لاشك أن التحكيم التقليدي يُستخدم حالياً على نطاق واسع لحلّ المنازعات التي تنشأ عن العقود التجارية لاسيما تلك التي تجري في ظل التجارة الدولية، والتحكيم بصورته التقليدية يُلبي إلى حد ما متطلبات التجارة الوطنية والدولية من حيث السرعة في فصل المنازعات واحترام طابع السرية وتخفيض النفقات، إلا أن هذا التحكيم يبقى بالنسبة لمعاملات التجارة الالكترونية بطيئاًومكلفاً بالمقارنة مع التحكيم الالكتروني الذي يُعتبر الأكثر ملائمة لعقود التجارةالالكترونية لأنه يستطيع أن يتعايش مع هذه العقود في ذات العالم الافتراضي، فهو يُلغي التعامل بالأوراق ولا يتطلب الحضور الشخصي لأطراف النزاع أو المحكمين.
وفي الحقيقة يتطلب البحث في التحكيم في عقود التجارة الالكترونية التعرض لماهية التحكيم الالكتروني قبل البحث في الآلية التي يتم بها.
المبحث الأول : ماهية التحكيمالالكتروني
يتمتع التحكيم الالكتروني بمزايا كثيرة تجعله مفضلاً عن اللجوء إلىالمحاكم الوطنية وحتى عن التحكيم التجاري التقليدي، ومن أهم هذه المزايا : السرعةالكبيرة في فصل المنازعات والسرية العالية وضآلة النفقات والاستعانة بمحكّمين أكثرحيدة وخبرة. ولكن هذا لا يعني أنه لا يثير بعض المعوقات التي تستلزم توخي الحيطة والحذر حين اللجوء إليه، ولذلك سوف نعرض هنا أهم المزايا التي يحققها التحكيمالالكتروني ونتبعها بالمعوقات التي قد تعترضه، بعد أن نحدد تعريفاً واضحاً له يميزهعن التحكيم التقليدي، ونختم هذا المبحث بالحديث عن الهيئات التي تمارس التحكيمالالكتروني.
أولاً - تعريف التحكيم الكتروني
يمكن تعريف التحكيم الالكترونيعلى أنه أسلوب اتفاقي على إخضاع المنازعة التي نشأت أو ستنشأ مستقبلاً من علاقات تجارية الكترونية أو عادية إلى التحكيم بإجراءات الكترونية. وانطلاقاً من هذاالتعريف يتبين لنا أن التحكيم الالكتروني ما هو إلا تحكيم تقليدي يعتمد على وسائل الاتصال الالكترونية في جميع مراحله، بدءً من إبرام اتفاق التحكيم مروراً بإجراءاتخصومه التحكيم وحتى صدور الحكم التحكيمي.
فالتحكيم الالكتروني يتميز بأنه يتم في عالم افتراضي حيث لا وجود للورق والكتابة التقليدية، كما أنه لا داعي للحضور المادي لأطراف النزاع أو أعضاء هيئة التحكيم في مكان محدد، أضف إلى ذلك حتى حكم التحكيم يصدر بشكل الكتروني ومذيلاً بتوقيع إلكتروني ويرسل إلى الأطراف جاهزاً باستخدام وسائل الاتصال الإلكترونية، لاسيما البريد الالكتروني.
ثانياً - مزايا التحكيمالإلكتروني
1 – السرعة الكبيرة في فصل النزاع : إن أهم ميزة للتحكيم الإلكترونيهي السرعة في فصل النزاع، وهذه الميزة تفوق كثيراً سرعة الفصل في المنازعاتالمعروضة على التحكيم التقليدي والذي يحتاج إلى مدة أطول بكثير مما يتطلبه هذاالتحكيم. والسبب في توفير الوقت يرجع إلى أنه لا يلزم في التحكيم الإلكتروني انتقال أطراف النزاع وحضورهم المادي أمام المحكمين، فحتى سماع المتخاصمين وشهودهم يمكن أن يتم عبر وسائل الاتصال الإلكترونية. كما أن التحكيم الإلكتروني يُمكّن من تبادل المستندات والأدلة فيما بين أطراف خصومة التحكيم في ذات اللحظة عبر البريدالإلكتروني أو أية وسيلة إلكترونية أخرى، وهذا على خلاف الأمر بالنسبة للتحكيم التقليدي الذي يتطلب حضور الأطراف أنفسهم أو وكلاء يمثلوهم.
2 – السرية العاليةلعملية التحكيم : وهي ميزة تتمتع بها جميع أنواع التحكيم ويجب احترامها في كل المراحل التي يمرّ بها التحكيم، فالأصل في أي تحكيم عدم العلانية وذلك حتى لا يؤدي إلى إلحاق الضرر بسمعة الأطراف المحتكمين ونشاطاتهم. والواقع أن السرية التي يكفلهاالتحكيم الإلكتروني تبدو أكثر أهمية في مجال العلاقات التجارية الدولية التي تبرم بطريقة إلكترونية، ذلك أن الاتصالات الالكترونية تنجز بسرعة فائقة ومن ثم فإنانتشار الأخبار التي تنطوي على أسرار تجارية أو صناعية أو مالية أو اقتصادية سيتم فضحها بسرعة غير متوقعة.
3 - ضآلة نفقات التحكيم : يحقق التحكيم الالكتروني خفض كبير في النفقات لأنه لا يستدعي سداد نفقات انتقال وإقامة ولا حتى استقرار المحكمة بمكان محدد، وهذا يجعله أكثر ملائمة للمنازعات التي تفرزها عقود التجارةالإلكترونية والتي تكون في الغالب الأعم ذات قيمة متواضعة. ولاشك أن استخدام نظم الوسائط المتعددة التي تتيح استخدام الوسائل السمعية والبصرية (Video conference) فيعقد جلسات التحكيم على الخط المباشر للأطراف وللخبراء يُساهم أيضاً في تجنب نفقات السفر والانتقال.
4 – تولي التحكيم أشخاصاً أكثر حيدة وخبرة : في الغالب يتم اختيار المحكمين في التحكيم الالكتروني بعيداً عن المعرفة المسبقة بأطراف النزاع،ومن ثم فان المحكمين فيه يتمتعون بقدر أكبر من الحيدة والاستقلالية تجاه الطرفين. ومن جهة أخرى يستلزم حلّ المنازعات التي تنشأ عن إبرام وتنفيذ العقود الإلكترونيةأشخاصاً يتمتعون بخبرات في هذا المجال وهي خبرات لا تتوافر، غالباً، في القاضي أوالمحكّم الوطني.
ثالثاً - معوقات التحكيم الالكتروني
أ – عدم مواكبة النظم الحالية للتطورات التي تحصل في مجال التجارة الالكترونية : فبعض النظم القانونية لمتُشرّع حتى الآن قواعد خاصة بالمعاملات الالكترونية، وبعضها الآخر يعاني من جمودالقواعد القانونية فيما يتعلق بإجراءات التقاضي والتحكيم، وقد لا يعترف أصلاً بصحةإجراء التحكيم بوسائل الكترونية، الأمر الذي يطرح إشكالية حقيقية حول الاعتراف بحكم التحكيم الالكتروني وقابليته للتنفيذ جبراً.
ب – عدم التزام المحكّم بتطبيق القواعد الآمرة المنصوص عنها في القانون الوطني : كثيراً ما يخشى الأطراف – لاسيماالضعفاء منهم – اللجوء إلى التحكيم الالكتروني خاصةّ، لأنه لن يضمن الاستفادة من القواعد الآمرة الحمائية المنصوص عنها في القانون الوطني. فعلى سبيل المثال لو كان أحد أطراف النزاع مستهلكاً وصدر حكم التحكيم الفاصل للنزاع دون مراعاة أحكام قانون المستهلك الوطني لكان هذا الحكم عرضة للبطلان واستحال تنفيذه.
رابعاً : مراكزالتحكيم الالكتروني
لقد تعددت الهيئات التي تمارس التحكيم الالكتروني وتكاد تكونحالياً معظم مراكز التحكيم الدولية تتيح المجال لحلّ نزاعات التجارة الالكترونيةبأسلوب الكتروني، ومن أهم المراكز أو الهيئات التي تتعامل بالتحكيم الالكتروني : غرفة التجارة الدولية (ICC) وجمعية التحكيم الأمريكية (ِAAA) والمنظمة العالميةللملكية الفكرية (WIPO). وقد عمدت جميع هذه المراكز التحكيمية إلى وضع أنظمة خاصةبالتحكيم الالكتروني تسمح بمباشرة التحكيم وإتمام جميع إجراءاته حتى صدور الحكم الفاصل للنزاع بوسائل الكترونية.
وفي الغالب تقضي نظم التحكيم الالكتروني بإنشاءموقع خاص بكل قضية تحكيمية تتم حمايته ومنع الدخول إليه إلا بكلمة سر (Password)،ليتم بعد ذلك تبليغ الأطراف بعنوان هذا الموقع وآلية الدخول إليه. ومن أهم فوائدوجود موقع الكتروني خاص بالنزاع أنه يتم تحميل كافة الطلبات والدفوع والمستندات عليه من قبل الأطراف أنفسهم بدلاً من إرسالها إلى سكرتارية المركز، وبشكل تصبح معه كل وثائق القضية متاحةً للإطلاع عليها من قبل طرفي النزاع وهيئة التحكيم إضافة إلى السكرتارية.
المبحث الثاني : آلية التحكيم الالكتروني
يمكن وصف آلية التحكيم الالكتروني في الواقع بشكل موجز على النحو التالي : بدايةً يتوجب لمباشرة التحكيم الالكتروني وجود اتفاق على تحكيم، ومثل هذا الاتفاق يتم عادةً بشكل الكتروني من خلال تبادل الرسائل بين أطراف العقد الالكتروني وعبر البريد الالكتروني أو بالنقرمباشرةً على زر موجود في موقع البائع، ليُعبر بذلك المشتري على موافقته علىالالتزام بجميع الشروط والبنود التي يتضمنها الموقع. وبمجرد وقوع النزاع يقوم الخصم بإرسال طلب التحكيم الكترونياً إلى خصمه أو إلى مركز التحكيم المتفق عليه، ليتم بعدذلك وبطرق الكترونية أيضاً تعيين المحكّم أو المحكّمين وتبادل الطلبات والدفوع والمستندات. وبعد انتهاء إجراءات التحكيم يُعين يوماً محدداً لإصدار الحكم والتوقيععليه الكترونياً ومن ثم إرساله إلى أطراف النزاع عبر وسائل الكترونية.
وفيالحقيقة لا يتسع المجال هنا لشرح عملية التحكيم الالكتروني بكافة مراحلها وخاصةأنها تشبه إلى حد كبير مراحل التحكيم التقليدي، مع ذلك فإن مباشرة التحكيم بوسائل الكترونية له خصوصيته فيما يتعلق باتفاق التحكيم والتبليغ وتحديد مكان التحكيم وإصدار الحكم وتنفيذه.
أولاً : اتفاق التحكيم الالكتروني
اتفاق التحكيمالالكتروني هو اتجاه إرادة طرفين على اللجوء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو قد تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونيه معينه عقدية أو غيرعقدية عبر وسائل الاتصال الالكترونية، ومن هنا يظهر أن اتفاق التحكيم الالكتروني فيمضمونه لا يختلف عن أي اتفاق تحكيم آخر سوى أنه يتم بشكل الكتروني. هذا ويشترط لصحةاتفاق التحكيم الالكتروني شروط موضوعية تتمثل بشكل رئيسي في أهلية أطراف التحكيم وخلو العقد (أو الاتفاق) من عيوب الإرادة وقابليه النزاع للتسوية عن طريق التحكيم. وهذه الشروط لا تثير أية مشكلة في اتفاق التحكيم الالكتروني بالمقارنة مع شرطالشكلية أو الكتابة الواجب توفره في اتفاق التحكيم.
فمعظم القوانين الوطنية تشترط الكتابة في اتفاق التحكيم ليكون ملزماً لأطرافه، وإن عدم احترام هذا الشرط يؤدي إلى اعتبار اتفاق التحكيم باطلاً، وبالتالي بطلان جميع إجراءات التحكيم التي استندت إليه بما في ذلك حكم التحكيم. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل يستوفي اتفاقالتحكيم الالكتروني شرط الكتابة ؟
نستطيع القول بأنه حالياً كثر عدد الدول التي أصبحت تعترف بالوسائل الالكترونية كوسيلة لإبرام العقود، وقانون التحكيم السوري الجديد لعام 2008 تبنى هذا الاتجاه عندما نص صراحةً في المادة 8 منه : " يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاً، ويكون الاتفاق مكتوباً إذا ورد في عقدأو وثيقة ...، أو في أية رسائل متبادلة عادية كانت أو مرسلة بوسائل الاتصال المكتوب (البريد الإلكتروني، الفاكس، التلكس) إذا كانت تثبت تلاقي إرادة مرسليها على اختيارالتحكيم وسيلة لفض النزاع".
وننوه إلى أنه في مجال التجارة الدولية أصبح هناك اتفاقيات دولية تعترف بشكل كامل بعقود التجارة الالكترونية التي تتم كتابتهابالبريد الالكتروني أو عن طريق تبادل المعلومات وتدوينها على موقع الكتروني، حتىأنها تنص صراحةً على مساواة الكتابة والرسائل الالكترونية بالكتابة العادية وإعطائها نفس الحجية في الإثبات، ومثال ذلك ما جاء في المادة 9/2 من اتفاقية الأمم المتحدة للخطابات الالكترونية في العقود الدولية لعام 2005 : "حيثما يشترط القانون أن يكون الخطاب أو العقد كتابياً، أو ينص على عواقب لعدم وجود الكتابة، يعتبر ذلك الاشتراط قد استوفي بالخطاب الالكتروني إذا كان الوصول إلى المعلومات الواردة فيهم تيسراً على نحو يتيح استخدامها في الرجوع إليها لاحقاً".
ثانياً – إجراءالتبليغ الالكتروني
تلزم قوانين التحكيم عموماً تبليغ المدعى عليه طلب التحكيم،وتعتبر أن إجراءات التحكيم قد بدأت من اليوم الذي يتسلم فيه المدعى عليه طلبالتحكيم من المدعي، كما توجب أيضاً تبليغ الأطراف جميع المواعيد والدفوع والمستندات. ويجري التبليغ عادةً بتسليم الأوراق المراد تبليغها إلى المخاطب شخصياًأو في مقرّ عمله أو في مكان إقامته المعتاد أو في موطنه المختار، فهل يعتبر التبليغ قانونياً إذا تم باستخدام البريد الالكتروني الخاص بالمدعى عليه ؟
لاشك أنه فيحال اتفاق الأطراف على أن يتم التبليغ إلى كليهما بواسطة البريد الالكتروني، فإن سلوك هذه الطريقة في التبليغ يعتبر صحيحاً ومنتجاً لكافة آثاره القانونية. ولكن فيحال عدم الاتفاق على ذلك هل نعتبر عنوان البريد الالكتروني الخاص بكل طرف بمثابةعنوان بريدي يمكن إجراء التبليغ إليه ؟ تنص المادة 8/2 من اتفاقية الأمم المتحد ة للخطابات الالكترونية في العقود الدولية لعام 2005 : "ليس في هذه الاتفاقية ما يلزم أي طرف باستعمال الخطابات الالكترونية أو قبولها، ولكن يجوز الاستدلال على موافقةالطرف على ذلك من سلوك ذلك الطرف". فأحكام هذه الاتفاقية وسائر تشريعات التجارةالالكترونية تسمح بالاستدلال على موافقة الطرف على استخدام الخطابات والرسائلالالكترونية وقبولها من خلال سلوكه، كما لو ضمن الأطراف اتفاق التحكيم عناوين بريدهم الالكتروني فمثل هذا السلوك يُعدّ بمثابة قبول ضمني على استلام الوثائق والتبليغات على هذه العناوين.
والاجتهاد القضائي الدولي يُقرّ بدوره بصحة تبليغالمدعى عليه أوراق الدعوى باستخدام البريد الالكتروني متى اعتاد ذكر عنوان بريده الالكتروني في جميع الأوراق والمراسلات الصادرة عنه، لأنه يعتبر ذلك بمثابة قبول ضمني على استخدام الآخرين لبريده الالكتروني لأجل الاتصال به وتبليغه. وإذا ما زعم المدعى عليه بأنه لم يطلع على بريده الالكتروني ولم يتبلغ أوراق الدعوى، فإن وضع رسالة التبليغ في بريده الالكتروني واستلام رسالة معاكسة تؤكد استلام المرسل إليه للرسالة يجعل التبليغ صحيحاً ومنتجاً لأثاره القانونية، وذلك حتى لو لم يكن هو منفتح بريده الالكتروني.
ثالثاً – مكان التحكيم الالكتروني
عندما يجري التحكيمباستخدام وسائل الاتصال الالكترونية يكون كل طرف من أطراف التحكيم وكذلك كل فرد من أفراد هيئة التحكيم مقيماً في مكان مختلف عن الآخرين، وهذا يثير مشكلة في تحديدالمكان الذي يتم فيه التحكيم، وخاصة إذا علمنا أن الاتفاقيات الدولية وقوانين التحكيم الوطنية تبني الكثير من أحكامها بالاستناد إلى مكان التحكيم. ومثال هذه الأحكام : تمتع التحكيم بالصفة الدولية من عدمه ومكان انعقاد جلسات التحكيم ومكانإخطار الأطراف ومكان إصدار الحكم كبيان إلزامي في حكم التحكيم الخ. وبما أن التحكيمالالكتروني يجري في عالم افتراضي، فهل نعتبر مكان التحكيم مكان تواجد المحكّم أوأغلبية المحكّمين، أم مكان المورد أو المستخدم لخدمات التجارة الالكترونية؟
تسمح قوانين التحكيم عموماً لأطراف النزاع بالاتفاق على تحديد مكان التحكيم،فإذا لم يتفقوا على ذلك كان من حق هيئة التحكيم أن تختار مكان التحكيم الذي تراهأكثر ملائمة لظروف الدعوى والأطراف (المادة 23 قانون تحكيم سوري). وأحياناً يختارالأطراف إجراء التحكيم وفقاً لقواعد مركز تحكيم معين ففي هذه الحالة يتم تحديد مكانالتحكيم وفقاً لهذه القواعد، ولكن ماذا بشان التحكيم الالكتروني ؟
في الحقيقةيندر أن يتم تحكيم الكتروني من غير هيئة تحكيمية تشرف على إجراءاته وتضمن سير هذهالإجراءات حتى صدور حكم التحكيم بشكل صحيح ومطابق للقانون، ولذلك نقول بأن اتفاقالأطراف على أن يتم التحكيم عن طريق مركز تحكيم يُعتبر بمثابة اتفاق على اعتبارمقرّ هذا المركز مكاناً للتحكيم.
رابعاً – حكم التحكيم الالكتروني
تفرضالاتفاقيات الدولية وقوانين التحكيم على المحكمين أن يصدروا حكم التحكيم مكتوباًوموقعاً منهم، فهل يمكن إصدار الحكم الكترونياً، وبحيث يتوافر منه نسخة الكترونيةفقط دون وجود أي نسخة ورقية موقعة من المحكمين بتواقيع حية ؟ وهل يؤثر غياب النسخةالورقية على الاعتراف بالحكم وقابليته للتنفيذ ؟
بحسب ما جاء في المادة 54/ب منقانون التحكيم السوري يجب أن يرفق طلب إكساء حكم التحكيم صيغة التنفيذ أصل الحكم أوصورة مصدقة عنه، وبغير ذلك لن يستطيع المحكوم له تنفيذ الحكم جبراً. ولكن فيالتحكيم الالكتروني يصعب الحصول على نسخة أصلية من حكم التحكيم، إذ لا يوجد أصلاًما يسمى بأصل الحكم وصورة مصدقة عنه. فعندما يتم نسخ الحكم الالكتروني إلى عدة نسخالكترونية تكون كل نسخة منه مطابقة تماماً للنسخ الأخرى.
مع ذلك إذا كان الغرضمن طلب أصل الحكم أو صورة مصدقة عنه لضمان صحته والتأكد من عدم حصول أي تعديل أوتزوير عليه، فإنه من الممكن التحقق من صحة حكم التحكيم الالكتروني والتثبت من عدم تحريفه باستخدام تقنيات الحماية والتشفير أو بالاعتماد على جهة ثالثة موثوق بهاتصادق على تواقيع المحكّمين الالكترونية وتشهد بأن التواقيع تعود للمحكّمين ذاتهم. ولكن بالطبع لن يقبل حكم التحكيم الالكتروني التنفيذ في دولة ما قبل أن تقوم بإصدارقوانين خاصة بالتجارة الالكترونية تعطي الكتابة الالكترونية والتوقيع الالكترونيالقيمة نفسها التي تعطيها للكتابة العادية والتوقيع التقليدي.
ونعتقد بأنه فيضوء أحكام قانون التحكيم السوري الحالي لابد للمحكوم له في التحكيم الالكتروني إذاما أراد تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني، من الحصول على نسخة ورقية من الحكمالالكتروني وتأمين توقيعها من قبل المحكمين بتوقيع تقليدي ليتم إيداعها ديوان محكمةالاستئناف وطلب إكساء الحكم صيغة التنفيذ (المادة 53 وما بعد قانون التحكيمالسوري).
الخاتمـــة
عندما ينشأ نزاع حول عقود التجارة الالكترونية يكون التحكيم الالكتروني الوسيلة الأنجع للخروج بحلّ منهي للنزاع نظراً لأنه يتم بسرعةكبيرة وسرية عالية وبأقل النفقات. وإن إجراء التحكيم باستخدام وسائل الاتصال الالكترونية في ظل الاتفاقيات والتشريعات السائدة حالياً يبقى ممكناً قانوناً، خاصة بعد تواتر إصدار الدول لقوانين حديثة خاصة بالتجارة الدولية.
ولكن يبدو أنالصعوبات التي تعترض التحكيم الالكتروني في سورية هي صعوبات تقنية أكثر منهاقانونية. إذ يتوجب أن نوفر للتحكيم الالكتروني البيئة المناسبة لنضمن انتشارهواقتناع المتخاصمين به، فمن جهة يقع على عاتق مراكز التحكيم السورية المحدثة إقرارقواعد وإجراءات خاصة بالتحكيم الالكتروني على غرار الأنظمة التي تعتمدها أشهر مراكزالتحكيم الدولية، كما يتوجب عليها توفير شبكة حاسوبية على درجة عالية من الحمايةتسمح بتشفير البيانات والمعلومات وتتيح استخدام التواقيع الالكترونية.
ومن جهةأخرى يتوجب على وزارة العدل أن تبدأ بأتمتة القضاء وتحويل الملفات القضائية بجميع أوراقها إلى ملفات الكترونية، وأن تتبنى فكرة المحاكم الكترونية وتأخذ بها على أرض الواقع. فبمجرد تنفيذ ذلك يمكننا الاستفادة من جميع مزايا التحكيم الالكتروني،لأننا بذلك فقط نضمن إجراء جميع مراحل تحكيم باستخدام وسائل الاتصال الالكترونية،بما في ذلك مرحلة تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني.



مسودة
ظهورالانترنت : شهد العالم تطوراً هائلاً في تكنولوجيا الاتصالات وعلى رأسها شبكةالانترنت التي أزالت الحدود بين الدول، ويقصد بشبكة الانترنت شبكة الاتصالات الدولية والتي هي عبارة عن شبكة هائلة من أجهزه الكمبيوتر المتصلة فيما بينها بخطوطاتصال سلكية (أسلاك الهاتف الثابت) أو لاسلكية (عبر الأقمار الصناعية). وقد كانت شبكة الانترنت في بادئ الأمر تستخدم للأغراض البحثية العلمية ثم استخدمها الجيش الأمريكي إلى أن عُمّم استخدامها على جميع دول العالم وأصبحت تعرف بالشبكةالعنكبوتية العالمية ((WWW : World Wide Web.
ومن ثم ظهرت التجارة الالكترونية التي عرفتها منظمه التجارة العالمية ((W T O : World Trade Organization بأنها عبارةعن "عمليه إنتاج وترويج وبيع وتوزيع المنتجات من خلال شبكه اتصال".
التحكيمالالكتروني يشمل كل التعاملات على النت : لقد وجد المتعاملون في مجال التجارةالالكترونية ضالتهم في التحكيم التجاري الالكتروني، والذي لا يقف عند حد تسويه المنازعات التي تنشأ عن عقود التجارة الالكترونية فقط بل يمكن اللجوء إليه لتسويه المنازعات التجارية العادية التي قد تنشأ عن عقود الاستهلاك أو التامين أوالمعاملات المصرفية أو حقوق الملكية الفكرية, وذلك لما يحقق التحكيم الالكتروني منمزايا تتشابه مع التجارة الالكترونية من توفير النفقات والانجاز السريع للتسوية وتوفير الوقت الذي له بالغ التأثير في المعاملات التجارية.
التحكيم الالكتروني والتحكيم التقليدي : في الحقيقة لا يختلف التحكيم الالكتروني عن التحكيم التقليديإلا من حيث الآلية التي تتم بها إجراءات التحكيم، ونعني هنا بشكل خاص شبكةالانترنت. ولهذا يتمتع التحكيم الالكتروني بميزة أساسية هي عدم اضطرار الأطراف إلىالانتقال من بلد لآخر من أجل حضور جلسات التحكيم وتبادل الوثائق والمستندات وسماعالشهود...، حيث يكون بالإمكان فعل كل ذلك بشكل الكتروني عبر شبكة الانترنت التي تؤمن تبادل المراسلات والوثائق بطريقة فورية وآنية، الأمر الذي يكفل الاقتصادالكبير في الوقت والمال.
تعريف التحكيم الالكتروني : لتعريف مصطلح التحكيم الإلكترونية يجب أن ننظر إليه من خلال تقسيم هذا التعبير إلى مقطعين: المقطع الأول : وهو التحكيم - بمعناه التقليدي - ويعنى الاتفاق على طرح النزاع على شخص معين أوأشخاص معينين لتسويته خارج المحكمة المختصة. أما المقطع الثاني : وهو الإلكتروني ويعني الاعتماد على تقنيات تحتوي على ما هو كهربائي أو رقمي أو مغناطيسي أو لاسلكيأو بصري أو كهرومغناطيسي، أو غيرها من الوسائل المشابهة، وهي نوع من التوصيف والتحديد لمجال نوع النشاط المحدد في المقطع الأول ويقصد به إجراء التحكيم باستخدام الوسائط والأساليب والشبكات الإلكترونية، ومنها شبكة الإنترنت. ومن حيث النتيجة يمكن تعريف التحكيم الإلكتروني بأنه : "التحكيم الذي تتم إجراءاته عبر شبكة اتصالات دولية بطريقة سمعية بصرية ودون الحاجة إلى التواجد المادي لأطراف النزاع والمحكمين في مكان معين".
1 – إن اللجوء إلى التحكيم الإلكتروني يجنب أطراف العقد عدم مسايرة القانون والقضاء للعقود الإلكترونية سواءً قانونياً أو قضائياً، فهو يجنبهم مسألة عدم الاعتراف القانوني بهذه العقود أو صعوبة تحديد القانون الواجب التطبيق وتحديد المحكمة المختصة، الخ.
6 - سهولة الحصول على الحكم بسبب تقديم المستندات عبر البريد الإلكتروني، أو من خلال الواجهة الخاصة التي صممت من قبل المحكم أو مركزالتحكيم الإلكتروني لتقديم البيانات والحصول على الأحكام موقعة منالمحكمين.
الرغبة في عرض النزاع على أشخاص ذوي خبرة فنية خاصة ومحل ثقة ، تعنىوتواكب تطور التجارة الإلكترونية ، خاصة في المجال الفني والقانوني لهذه التجارة. فمن المعروف أن ثمة منازعات تحتاج إلي شخص مؤهل يتمتع بخبرة في المجال الذي تتعلقبه هذه المنازعات، والحقيقة أن كل. ويعبر البعض عن هذه الميزة بالكفاية المهنية،حيث غالباً ما يلجأ أطراف النزاع إلى اختيار محكمين على درجة عالية من الكفاءة والتخصص في موضوع النزاع، وهذه الكفاية المهنية تجنب ما يوجه إلى القضاة من عدم التخصص في شتى المنازعات أو اعتمادهم بصفة مطلقة على ما ينتهي إليه الخبير المعين بواسطتهم دون أي مناقشة أو تعديل لرأي الخبير.
مزايا التحكيم الإلكتروني : بخلافمزايا التحكيم بصفة عامة فإن التحكيم الإلكتروني يتميز بما يلي :
1- يُعدّ اللجوء إلى التحكيم الالكتروني أقل تكلفة من اللجوء إلى القضاء الوطني أو حتىالتحكيم التقليدي، ذلك أنه لا يستدعي سداد نفقات الانتقال، فضلا ً عن عدم ضرورةاستقرار المحكمة بمكان محدد.
2- العقود الإلكترونية غالباً ما تكون قليلة القيمةومن ثم فلا يفترض أن تكون نفقات تسوية المنازعات بشأن هذه العقود تفوق قيمة العقدذاته، وهو ما يوفره التحكيم الالكتروني.
3- يساهم التحكيم الالكتروني في حسمالنزاع في مدة قصيرة، الأمر الذي يؤدي إلى خفض النفقات وعدم تكبد طرفي المنازعةأضراراً قد يكون من شأنها وقف العلاقة التجارية فيما بينهم.
4- يتم اختيارالمحكمين في التحكيم الالكتروني في الغالب بعيداً عن المعرفة المسبقة بأطرافالنزاع، ومن ثم فان المحكمين فيه يتمتعون بقدر أكبر من الحيدة والاستقلالية تجاهالطرفين.
عقبات التحكيم الالكترونى
‌أ) يؤدي التحكيم الالكتروني أحياناً إلى استبعاد فكرة تطبيق القوانين المتعلقة بالنظام العام والتي تمسّ بالمصالح الأساسيةالاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأمر الذي يُعقّد من حكم التحكيم الالكتروني، معأن محاولات التفرقة بين النظام العام الدولي والوطني في طريقها إلىالاندثار.
‌ب) تحدّ بعض الدول من اللجوء إلى التحكيم الالكتروني من خلال فرضقوانينها لبعض القيود الشكلية كالاتفاق الكتابي للتحكيم الموقع من الطرفين, وعدمقابلية بعض المنازعات للتسوية عن طريق التحكيم.
‌ج) ضعف الثقة في التحكيم الالكتروني وفي التعاملات الالكترونية عموماً سواء من قبل الطرف الآخر أو من هيئةالتحكيم المحجوبة عنه، فضلاً عن التشكيك في إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الالكترونيالصادر من الهيئة التحكيمية بغير الطريقة الودية.
‌د) إثارة بعض العقباتالإجرائية والموضوعية : كوسائل حق الدفاع لاسيما حق المرافعة الشفوية ومبدأالمواجهة، وفروق التوقيت مع الطرف الآخر، واختلاف مستوى تكنولوجيا الاتصالات فيمابين الدول.
ج – صعوبة تحديد مكان التحكيم والمشاكل التي يثيرها : يتوجب عموماًتحديد مكان التحكيم لأن تعينه يرتب آثاراً قانونية هامة كتمتع التحكيم بالصفةالدولية من عدمه ومكان انعقاد جلسات التحكيم ومكان إخطار الأطراف ومكان إصدار الحكمكبيان إلزامي في حكم التحكيم الخ.
أ – عرض النزاع للتحكيم الالكتروني
فعلى سبيل المثال تقضي قواعد مركز التحكيم الدولي (WIPO) بأنه إذا نشأ نزاع بين طرفياتفاق تحكيم ورغب أحدهما أو كلاهما بعرض النزاع على المركز فيتوجب عليه إتباعإجراءات محددة ملخصها :
- الدخول إلى الموقع الالكتروني للمركز والنقر علىأيقونة (Create a case).
- تعبئة نموذج طلب التحكيم المعدّ مسبقاً من قبلالمركز، يوضح فيه : طبيعة النزاع وظروفه، أسماء ممثليه في نظر النزاع ووسيلةالاتصال بهم (هاتف-فاكس-بريد الكتروني)، عدد المحكّمين على أن يكون فردياً وإلى كانالمحكّم فرداً، قانون أو نظام الإجراءات وإلا يُعدّ راضياً بالإجراءات التي اعتمدهاالمركز ...
- إرفاق طلب التحكيم بنسخة عن اتفاق التحكيم.
- إعداد قائمةبالأدلة والوثائق التي ستند إليها في إدعائه.
- إرسال طلب التحكيم مع مرفقاتهإلى المركز وإلى المحكتم ضده.
- أداء الرسوم الإدارية المحددة وفق جدولالرسوم.
وبحسب قواعد مركز التحكيم الدولي (WIPO) يبدأ سريان مدة التحكيم منتاريخ استلام المركز لطلب التحكيم، وهنا نرى اختلافاً واضحاً في تحديد تاريخ بدءإجراءات التحكيم بين نوعي التحكيم العادي والالكتروني، ففي التحكيم العادي تسري مدةالتحكيم من اليوم الذي يتسلم فيه المدعى عليه طلب التحكيم من المدعي وفقاً لأحكامقانون التحكيم المصري (المادة 27) وبدءً من تاريخ انعقاد أول جلسة لهيئة التحكيمطبقاً لأحكام قانون التحكيم السوري (المادة 37/1)، أما في التحكيم الالكتروني فإناعتماد معظم مراكز التحكيم تاريخ استلام الطلب من المحتكم كميعاد بدء سريان مدةالتحكيم يضمن سرعة البت في النزاعات بشكل قياسي.
وبمجرد تبلّغ المحتكم ضده لطلبالتحكيم يتوجب عليه خلال عشرين يوماً إرسال جواباً إلى المركز يتضمن دفوعهواعتراضاته على الإدعاء وقائمة بالمستندات المؤيدة لدفوعه مع تحديد عدد المحكّمينوتعيين محكّمه أو محكّميه وإلى يتولى المركز عملية الاختيار.
بعد أن يستلمالمركز جواب المحتكم ضده يقوم بتعيين هيئة التحكيم، كما يُحدد وبشكل فوري تاريخصدور حكم التحكيم وذلك خلال ثلاثين يوماً من استلام جواب المحتكم ضده. وأثناءإجراءات التحكيم الالكتروني تعقد جلسات تحكيم سرية وسريعة بحيث لا تتجاوز الفترةبينها ثلاثة أيام، ويمكن خلالها سماع الشهود وإجراء الخبرة الفنية وتبادل الدفوعالمستندات.
وهناك أيضاً نظام التحكيم الالكتروني المعجل (Expedited Arbitration) وفيه يتم فض المنازعات بسرعة أكبر نتيجة لضغط مدد تقديم الطلبات والدفوع والجلساتوإنشاء موقع الكتروني خاص بالنزاع ((Case Site يتاح الدخول إليه للخصوم وهيئةالتحكيم فقط بواسطة كلمة سر (Password)، وعلى أن يتم تبليغ الخصوم بأية وثائق أوإجراءات عبر البريد الالكتروني (E-mail).
أ – بدء إجراءات التحكيمالالكتروني
تبدأ إجراءات المحاكمة أمام هيئة التحكيم في ذات اليوم المعلن عنه مسبقاً للأطراف، وبعد أن يكون المركز قد تسلم جواب وأدلة المحتكم ضده. ويتم السماح لطرفي النزاع بتوكيل ممثلين عنهم بغض النظر عن جنسياتهم أو مؤهلاتهم لتمثيلهم أثناءجلسات التحكيم. هذا ويقبل المركز للإثبات البينة الخطية كما يقبل البينة الشخصية،بحيث يتم سماع الشاهد ومناقشة حول وقائع النزاع إما عن طريق الهاتف أو في جلسة سريةمصورة (Hearing in camera). كما يمكن طلب الخبرة الفنية فإذا ما وافقت عليها هيئةالتحكيم وجب على الخبير الذي تعينه حلف اليمين القانونية وتقديم تقريره خلال مدة معينة من تاريخ توليه المهمة. وفي نهاية المحاكمة يصدر حكم التحكيم الالكتروني مع مراعاة ذات الأحكام المتعلقة بإصدار حكم التحكيم التقليدي، من حيث أنه يصدربالإجماع أو الأغلبية ويُوقع من قبل جميع أعضاء الهيئة ويُذكر فيه جميع البيانات الإلزامية المطلوبة، وبعد ذلك يُرسل الحكم إلى المركز ليتم تسليم نسخة عنه للأطراف.
التحكيم الالكتروني المعجل (Expedited Arbitration) : ونتيجة لطبيعةمنازعات العقود الإلكترونية وما تتطلبه من سرعة، بدأ البحث في بداية عام 1998 عن آلية لتعجيل عملية التحكيم الإلكتروني، وهو ما أدى إلى قيام بعض مراكز التحكيم باللجوء إلى أسلوب التحكيم الالكتروني المعجل. وبحسب نظام التحكيم الالكتروني المعجل يقوم المحتكم بالنقر على مفتاح (Create a case) وملء النموذج الخاص المعد سلفاً من قبل المركز وإرساله له بالبريد الإلكتروني، ثم يقوم المركز بإخطار المحتكم ضده وإعداد صفحة للنزاع على موقع المركز على شبكة الإنترنت ويزود كل طرف بكلمة مرور (Password) ليتمكن من دخول الموقع وعرض النزاع، وفي هذا النظام تتكون هيئة التحكيممن محكم فرد وتنتهي القضية غالباً خلال شهر واحد من بدء الإجراءات.
- القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم
يخضع اختيار القانون الواجب التطبيق علىإجراءات التحكيم لمبدأ سلطان الإرادة، فقد يتفق الأطراف على اختيار القانون الذي سيحكم الإجراءات أو يقرروا ترك هذا الأمر لهيئة التحكيم أو لمركز التحكيم ولائحته. إلا أن الإشكالية تثور في حالة عدم الاتفاق على ذلك، حيث أن بعض النظم القانونية والاتفاقات الدولية تقرر تطبيق قانون مقر التحكيم (المادة 5/د من اتفاقية نيويورك لعام 1958 –)، بينما يمنح بعضها الآخر سلطة تحديد القانون الواجب التطبيق لهيئةالتحكيم (المادة 22/2 من قانون التحكيم السوري لعام 2008 المستقاة من المادة 28/2من قانون الأونسيترال النموذجي المعدل للتحكيم التجاري الدولي لعام 2006). أمابالنسبة للتحكيم الالكتروني فيصعب تطبيق تلك الحلول لغياب المكان المحدد للعمليةالتحكيمية.
- الإجراءات السابقة للتحكيم
1- التقدم لمركز التحكيم بوثيقةالكترونية تتضمن طلب اللجوء إلى التحكيم مبيناً فيه موضوع النزاع.
2- تحديد اسم الممثل في النزاع ووسيلة الاتصال الالكترونية المتاحة لديه.
3- اختيار طريقه إجراءات العملية التحكيمية.
4- تقديم الوثائق والمستندات وأدله الثبوت.
5- سداد الرسوم الإدارية المحددة.
6- إخطار المركز للطرف الآخر بالإجراءات وطلب التحكيم.
7- تحديد موعد المحاكمة للطرفين.
(ب) إجراءات العملية التحكيميةالخاصة بمركز التحكيم :
1- إنشاء موقع الكتروني خاص بالنزاع (Case Site)يسمح بأرقام سرية لأطراف النزاع وهيئة التحكيم فقط بالدخول إليه، وإخطار الأطراف المعنية به وبكيفية الدخول إليه.
2- إخطار أطراف التحكيم بموعد بدء العملية التحكيمية.
(جـ) إجراءات التحكيم :
1- تبادل الأطراف الأدلة والحجج القانونية والمستندات الثابتة لحق كل منهما الكترونياً بإرسال نسخة إلى هيئه التحكيم وأخرىإلى الطرف الثاني.
2- ضمان هيئة التحكيم أن المستندات المتبادلة هي ذات المستندات التي بيديها وبحيازة طرفي التحكيم.
3- إمكانية عقد جلسات المحاكمة أوبعضها عبر الاجتماعات المرئية :
(Tele conference-Video conference)
4- تبادلالمداولات عبر الموقع الالكتروني باستخدام البريد الالكتروني في داخل الموقع المنشأللمنازعة.
5- تقيد حجج وأسانيد الطرف الآخر (الدفاع) والرد عليها مدعما ذلك بالمستندات حتي يتمكن الطرف الآخر من الرد عليها لضمان حق الدفاع.
6- تبادل الطلبات الختامية والرد عليها خلال ثلاثين يوما من تاريخ إخطار كل طرف للآخربطلباته (قواعد الحكيم –الجمعية الأمريكية للتحكيم A.A.A)
7- إصدار المحكم الحكم بدون عقد جلسه إلا إذا طلب الأطراف التقابل أمام المحكم أو بعقد جلسه تليفونيه أومرئية (Kanadian-E-Resolution) وتقرر قواعد الجمعية الأمريكية للتحكيم A.A.A أن علي المحكم بعد أن يكون قد اصدر قراره أن يقوم بإرساله إلي الموقع الذي تم إنشاؤهوإعلانه إلي الأطراف عن طريق البريد الاليكتروني.
(أ) سلطه محكمة التحكيمالالكتروني
-تختص بالفصل في الدفوع المتعلقة بعدم الاختصاص أو بصحة العقد الذي يعد شرط التحكيم أحد بنوده (م16 لائحة المحكمة القضائية).
- تنبيه الخصوم إلى عدم إغفال القواعد القانونية الواجبة التطبيق التي قد ترتب لهم حقوقا أو تفرض عليهم التزاما أو مراعاة مواعيد سقوط الدفع.
- الحق في طلب معلومات أو إيضاحات إضافيةأو أدله لم يسبق تقديمها تكون مؤثره في الفصل في النزاع.
-تحديد مكان صدور حكم التحكيم بموافقة أطرافه وقد حددت المادة (25) من لائحة المحكمة القضائية اعتبار حكم التحكيم قد صدر في مكان التحكيم
(ب)ميعاد صدور الحكم الالكتروني :
يتحددموعد صدور حكم التحكيم باتفاق طرفي التحكيم، فإذا لم يوجد اتفاق حددت المحكمةالموعد وفقاً لقانون التحكيم الواجب التطبيق. وبمجرد إغلاق باب المرافعة تُحددالمحكمة تاريخ صدور الحكم وتُعلم الطرفين به.
(جـ) شروط إصدار الحكم الالكتروني :
1- يجب أن يكون الحكم حاسماً ومنهياً للنزاع وفقاً لأحكام القانونالموضوعي.
2- يصدر حكم التحكيم موقعاً من المحكّم الفرد أو الغالبية.
3- يجبأن يكون الحكم مكتوباً ومسبباً.
4- يجب نشر الحكم على الموقع الالكتروني الخاصبالنزاع وإعلام الأطراف.
(د) إجراءات تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني :
يتقدمالطرف الذي صدر حكم التحكيم الالكتروني لصالحه بطلب تنفيذ الحكم إلى المحكمةالمختصة بدولة التنفيذ حتى يحصل على قرار بإكساء حكم التحكيم صيغة التنفيذ, معالعلم أن بعض الأنظمة قد لا يشترط ذلك. وبعد الحصول على قرار الإكساء والذي يراقببه قاضي التنفيذ الصحة الشكلية لقابليه حكم التحكيم للتنفيذ بالدولة يصدر الحكمالتحكيمي مزيل بالصيغة التنفيذية .
إن شروط تنفيذ حكم التحكيم هي:
- أصل اتفاق التحكيم أو صوره رسمية منه.
- حكم التحكيم.
- ترجمة الحكم إلى اللغةالرسمية لدولة التنفيذ إذا صدر بلغة مختلفة.
- تبليغ الطرف الآخر طلب تنفيذالحكم بالطرق المقبولة قانوناً.
- عدم تعارض حكم التحكيم مع النظام العامالداخلي.
(هـ) الطعن بالبطلان علي حكم التحكيم الاليكتروني :
عددت المادة 5من اتفاقيه نيويورك لعام 1985 بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبيةالأسباب التي تجيز رفض الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه بناءً على طلب الطرف الذي صدرالحكم ضده، وعلى الرغم من وجود حالات حصرية لبطلان حكم التحكيم في غالبية التشريعاتالوطنية إلا أن القضاء الأمريكي يجيز لأطراف التحكيم إضافة أسباب أخرى.
وبخصوصالتحكيم الالكتروني فمن المعروف أنه يتم دون دولة مقرّ، ولذلك فإنه من الصعوبةبمكان تحديد مدى صحة القوانين الإجرائية التي روعيت أثناء إجراءات التحكيم. لاشكأنه يمكن تحديد مكان التحكيم وفقاً لإرادة الأطراف, ولكن في حال عدم الاتفاق فإنالبعض ينادي باعتبار مقرّ التحكيم الدولة التي صدر فيها الحكم، والبعض الآخر يعتمددولة تنفيذ الحكم، بينما رأى فريق ثالث بأن يكون مقر التحكيم الدولة التي يتواجدبها "السرفر" التي تجري بواسطته إجراءات التحكيم.
سرية العملية التحكيمية : يُعدّ الحفاظ على سرية التحكيم أحد الشروط الجوهرية لنجاح عملية التحكيم الالكترونيوزيادة الإقبال عليه. ولاشك أن مراكز التحكيم الالكترونية بذلك جهوداً كبيراًللمحافظة على السرية من خلال حظر الدخول إلى الصفحات المتعلقة بالنزاعات إلا بكلمةسر (Password) وتشفير البيانات المحفوظة والمتبادلة بصورة تمنع قراءتها إلا من قبلالمرسل إليه. ولكن باعتقادنا تبقى هناك دائماً إمكانية الاختراق إلى الصفحات السريةمن قبل المتطفلين (Snoopers) الذين يقتحمون خصوصيات الغير بدافع الفضول وكذلكالمخربين (Crackers) ممن يبحثون عن ضحايا، كما هو الحال بالنسبة لسرقة أرقام بطاقاتالدفع الالكتروني واستغلالها.
خامساً : مراحل التحكيم الالكتروني
يمكننا تلخيص مراحل التحكيم الالكتروني في الواقع العملي بالنقاط التالية :
1 – الاتفاق على التحكيم الكترونياً : ويجري إبرام مثل هذا الاتفاق من خلال تبادل الرسائل بين أطراف العقد الالكتروني وعبر البريد الالكتروني أو بالنقر مباشرةً على زر موجود فيموقع البائع ليُعبر بذلك المشتري على موافقته على التزام بجميع الشروط والبنود التي يتضمنها الموقع.
2 – مباشرة التحكيم الالكتروني وإجراءاته : بمجرد وقوع النزاع يقوم الخصم بإرسال طلب التحكيم الكترونياً إلى خصمه أو إلى مركز التحكيم المتفق عليه، ليتم بعد ذلك وبطرق الكترونية أيضاً تعيين المحكّم أو المحكّمين وتبادل الطلبات والدفوع والمستندات، مع التنويه إلى إمكانية الاستماع إلى أقوال الأطرافوالشهود والخبراء عبر تقنية الفيديو كونفرانس (Videoconference). وبخصوص التحقق منأن الرسائل التي تصل إلى هيئة التحكيم صادرةً فعلاً عن مرسليها أم لا، فهذا أمر سهل إذا ما تمّ الاعتماد على تقنية التوقيع الالكتروني.
3 – صدور حكم التحكيمالالكتروني : بمجرد انتهاء إجراءات التحكيم يُعين يوماً محدداً لإصدار الحكموالتوقيع عليه الكترونياً ومن إرساله إلى أطراف النزاع عبر وسائلالكترونية.
ثانياً - إجراءات التحكيم الالكتروني
نظراً لضرورة تنظيم سيرعملية التحكيم الالكتروني فقد عمد العديد من مراكز التحكيم الدولية إلى وضع قواعدإجرائية خاصة تتناسب مع طبيعة الاتصال والتعامل مع شبكة الانترنت.
ثانياً – سيرإجراءات التحكيم الكترونياً
تمنح قوانين التحكيم الحرية للأطراف في تحديد الإجراءات التي يجب إتباعها في عملية التحكيم، وبناءً على ذلك يمكن للأطراف أن يتفقوا على تتم جميع إجراءات التحكيم أو جزءً منها باستخدام وسائل الاتصالالالكترونية، سواء أكان ذلك باستخدام البريد الالكتروني أو الاجتماعات المرئية والمسموعة (Videoconference). وإذا لم يكن ثمة اتفاق بين الأطراف بهذا الخصوص فيكون من حق هيئة التحكيم أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة (المادة 22 قانونتحكيم سوري)، مع أننا نرى بأنه يتوجب على هيئة التحكيم إذا كان تنظر في نزاع متعلق بعقود التجارة الالكترونية، أن تسير في عملية التحكيم باستخدام وسائل الكترونيةنظراً لأن القانون يفرض عليها أن تفصل في النزاع بأسرع وقت ممكن، وأن تجنب الأطرافأية تأجيلات ونفقات غير ضرورية.



الثلاثاء، 1 يونيو 2010

عدم دستورية البند 3من المادة 58 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 فيما نص عليه من عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم


حكم المحكمة الدستورية العليا القاضى: بعدم دستورية البند 3من المادة 58 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994

القضية رقم 92 لسنة 21 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

باسم الشعب ؛

المحكمة الدستورية العليا ؛

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 6 يناير سنة 2001 الموافق 11 شوال سنة 1421هـ

برئاسة السيد المستشار / محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة .

وعضوية السادة المستشارين / ماهرالبحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى .

وحضور المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس هيئة المفوضين .

وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر .

أصدرت الحكم الآتي فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 92 لسنة 21 قضائية " دستورية "

المقامة من شركة مستشفى مصر الدولي ويمثلها الأستاذ الدكتور / محمود طلعت محمد طلعت
ضد
1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
3 - السيد وزير العدل.
4 - الشركة الهندسية للإنشاءات والتعمير - دره - ويمثلها رئيس مجلس إدارتها .


الإجراءات

بتاريخ الثالث والعشرين من مايو سنة 1999، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبا الحكم بعدم دستورية البند 3 من المادة 58 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 .

وقدمت كل من هيئة قضايا الدولة والمدعى عليها الرابعة مذكرة طلبت فيها أصليا الحكم بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها .

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أنه بموجب عقد مقاولة مؤرخ 28/4/1993 أسندت الشركة المدعية للشركة المدعى عليها الرابعة عملية إنشاء وتنفيذ وصيانة ملحق مستشفى مصر الدولي، وإذ نشب خلاف بينهما حول بعض جوانب تنفيذ هذا العقد فقد تم عرضه على هيئة تحكيم ؛ فأصدرت بجلسة 7/7/1998 حكمها بإلزام الشركة المدعية -المحتكم ضدها فى التحكيم - بأن ترد للشركة المدعى عليها الرابعة مبلغ 404695 جنيهاً وفوائده بواقع 5% من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ السداد، ثم استصدرت الأخيرة أمراً من السيد المستشار رئيس محكمة استئناف القاهرة بتنفيذ هذا الحكم، فتظلمت الشركة المدعية منه بالتظلم رقم 4 لسنة 116 قضائية أمام تلك المحكمة .
وأثناء نظره دفعت بعدم دستورية نص البند 3 من المادة 58 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع وصرحت للشركة بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.

وحيث إن هيئة قضايا الدولة والشركة المدعى عليها الرابعة دفعتا بعدم قبول الدعوى الماثلة بمقولة أن الشركة المدعية ليس لها مصلحة فى إقامتها ؛ إذ تظلمت من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم بعد الميعاد، كما أنها قامت بتنفيذه بالفعل.

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع ، متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول قبول تظلم الشركة المدعية من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، وكان النص المطعون فيه فيما قرره من عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ هذا الحكم، هو الذى يحول دون ذلك، فإن مصلحتها الشخصية المباشرة فى الدعوى تكون قائمة ويكون الدفع بعدم قبولها على غير أساس ؛ حرياً بالرفض . ولا ينال من ذلك ، قيام الشركة المدعية، بتنفيذ الحكم فعلاً، ذلك أن هذه المحكمة عند بحثها لشرط المصلحة فى الدعوى الدستورية، تقتصر على التحقق من أن الحكم الذى يصدر فيها يؤثر على الحكم فى مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة فى الدعوى الموضوعية دون أن يمتد ذلك لبحث شروط قبول تلك الدعوى أو مدى أحقية المدعى فى الدعوى الدستورية فى طلباته أمام محكمة الموضوع والتي تختص هذه الأخيرة وحدها بالفصل فيها.

وحيث إن المادة 56 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية المشار إليه تنص على أن " يختص رئيس المحكمة المشار إليها فى المادة 9 من هذا القانون
أو من يندبه من قضاتها بإصدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين " وتنص المادة 58 على أن " 1 - لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضى . 2 - لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وفقاً لهذا القانون إلا بعد التحقق مما يأتى :
أ - أنه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية فى موضوع النزاع .
ب - أنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام فى جمهورية مصر العربية .
ج - أنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً .

3 - ولا يجوز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم • أما الأمر الصادر برفض التنفيذ فيجوز التظلم منه إلى المحكمة المختصة وفقاً لحكم المادة 9 من هذا القانون خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره " .

وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص الطعين أنه إذ يُخَوّل طالب التنفيذ التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ بينما يُحْرَم المحكوم ضده من التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ ، فإنه يتعارض مع مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون ويخل بحق التقاضى بالمخالفة لأحكام المادتين 40 و 68 من الدستور.

وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق ، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتعتبر تخوما لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، وكان الدستور إذ يعهد إلى أى من السلطتين التشريعية والتنفيذية بتنظيم موضوع معين، فإن القواعد القانونية التى تصدر عن آيتهما فى هذا النطاق، لا يجوز أن تنال من الحقوق التى كفل الدستور أصلها سواء بنقضها أو انتقاصهـا من أطرافها، وإلا كان ذلك عدوانـاً على مجالاتها
الحيوية من خلال إهدارها أو تهميشها.

وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه فى المادة 40 من الدستور والذي رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها وأساساً للعدل والسلام الاجتماعى، غايته صون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة التى لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، فلا يقتصر مجال إعماله على ما كفله الدستور من حقوق ، بل يمتد كذلك إلى تلك التى يقررها القانون •

وحيث إن الدستور بما نص عليه فى المادة 68 من أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي ، قد دل - على ماجرى عليه قضاء هذه المحكمة - على أن هذا الحق فى أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية فى سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعاً عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال حقهم فى النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا فى نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التى تحكم الخصومة القضائية ولا فى مجال التداعى بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغى دوماً أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء فى مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن فى الأحكام التى تصدر فيها .

لما كان ما تقدم ، فإن النص الطعين بمنحه الطرف الذى يتقدم بطلب تنفيذ حكم المحكمين الحق فى التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ ليثبت توافر طلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم على الضوابط الثلاثة التى تطلبها البند 2 من المادة 58 السالف الإشارة إليه، وحرمانه الطرف الآخر فى خصومة التحكيم مكنة التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ لينفى فى المقابل توافر طلب الأمر بالتنفيذ على الضوابط عينها ؛ يكون قد مايز - فى مجال ممارسة حق التقاضى - بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية تقتضيه، بما يمثل إخلالاً بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وعائقاً لحق التقاضى مخالفاً بذلك أحكام المادتين 40 و 68 من الدستور مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية النص الطعين .

ولا يقيل ذلك النص من عثرته التذرع بالطبيعة الخاصة لنظام التحكيم وما يهدف إليه من تيسير الإجراءات وتحقيق السرعة فى حسم الأنزعة ؛ ذلك أنه فضلاً عن أن هذا الاعتبار لا يجوز أن يهدر المبادئ الدستورية السالف الإشارة إليها، فإن الأمر بالتنفيذ الذى يصدره القاضي المختص وفقاً لأحكام قانون التحكيم لا يعد مجرد إجراء مادي بحت يتمثل فى وضع الصيغة التنفيذية على حكم المحكمين، وإنما يتم بعد بحث الاختصاص ثم التأكد من عدم تعارض هذه الحكم مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية فى موضوع النزاع ، وأنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام فى جمهورية مصر العربية ، وأنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً ؛ ومن ثم فإنه وقد أجاز النص الطعين لأحد أطراف الخصومة التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ فقد بات حتما تقرير ذات الحق للطرف الآخر بالتظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ إن تبين له أن هذا الأمر قد صدر دون التحقق من توافره على الضوابط السابق الإشارة إليها .

وحيث إن الحجية المطلقة التى أسبغها قانون هذه المحكمة على أحكامها فى المسائل الدستورية لازمها نزول الدولة بكامل سلطاتها وتنظيماتها عليها لتعمل بوسائلها وأدواتها - من خلال السلطة التشريعية كلما كان ذلك ضروريا - على تطبيقها ؛ وإذ كان القضاء بعدم دستورية النص الطعين، يعنى أن الحظر الذى أورده يناقض الدستور، مما يفيد بالضرورة انفتاح طريق التظلم لمن صدر ضده الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، فإن ذلك يقتضي تدخلاً تشريعياً لتحديد إجراءات وميعاد وشروط هذا التظلم .


فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
بعدم دستورية البند 3من المادة 58 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 فيما نص عليه من عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

أمين السر رئيس المحكمة
_

حكم المحكمة الدستورية العليا القاضى بعدم دستورية المادتين 13 فقرة 4 و17 من قواعد إعداد النظام الداخلي للجمعية التعاونية للبناء والإسكان(عدم جواز فرض التحكيم قصرا)

حكم المحكمة الدستورية العليا القاضى بعدم دستورية المادتين 13 فقرة 4 و17 من قواعد إعداد النظام الداخلي للجمعية التعاونية للبناء والإسكان:

قضية رقم 380 لسنة 23 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

باسم الشعب ؛

المحكمة الدستورية العليا ؛

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 11 مايو سنة 2003 الموافق 11 شوال سنة 1421هـ
برئاسة السيد المستشار الدكتور / محمد فتحي نجيب رئيس المحكمة .
وعضوية السادة المستشارين : عبد الوهاب عبد الرازق حسن والدكتور حنفي على جبالي وإلهام نجيب نوار ومحمد عبد العزيز الشناوى والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيري طه.

وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد ناصر إمام محمد حسن أمين السر .
الإجراءات
بتاريخ الواحد والثلاثين من شهر ديسمبر سنة 2001م أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالباً الحكم بعدم دستورية المادتين 13 فقرة 4 17 من قرار وزير التعمير والدولة للإسكان واستصلاح الأراضي رقم 693 لسنة 1981 بقواعد إعداد النظام الداخلي للجمعية التعاونية للبناء والإسكان، وكذلك المادة 10 من قواعد العمل بالجمعيات التعاونية للبناء والإسكان المرافقة لقرار وزير التعمير والدولة للإسكان واستصلاح الأراضي رقم 46 لسنة 1982 الصادر فى شأن قواعد العمل بالجمعيات التعاونية للبناء والإسكان.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين طلبت فى أولاهما الحكم برفض الدعوى، وطلبت فى الثانية الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم. المحكمة بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل فى أن الجمعية التعاونية للبناء والإسكان للعاملين بشركة بترول خليج السويس قد خصصت للمدعى بصفته عضواً بها الفيلا رقم 177بقرية المرجان بالساحل الشمالي بعد أن تقاضت منه كامل الثمن المستحق ، وعند شروعه فى استلامها تبين له وجود عيوب جسيمة مما دعاه إلى رفض الاستلام ومطالبة الجمعية المذكورة بإصلاح تلك العيوب، إلا أن الجمعية تقاعست عن تلبية مطلبه مما اضطر معه إلى اللجوء إلى هيئة التحكيم بالاتحاد التعاوني الإسكاني المركزي بالتحكيم رقم 54 لسنة 1999 طالباً الحكم بإلزام الجمعية المذكورة بتخصيص فيلا من دورين له من فيلات المرحلة الأولى خالية من العيوب، وتعويضه عن الأضرار التى لحقت به والمبينة عناصرها بالأوراق، وبتاريخ 26/9/2000 قضت هيئة التحكيم برفض الدفع المبدى بعدم اختصاص الهيئة وبرفض الدفع المبدى بعدم قبول التحكيم شكلاً وفى الموضوع برفضه، وإذ لم يرتض المدعى هذا الحكم فقد طعن عليه بالطعن رقم 3 لسنة 118 ق أمام محكمة استئناف القاهرة طالباً الحكم أصلياً ببطلانه واحتياطياً بعدم دستورية نظام التحكيم المعمول به فى الاتحاد التعاوني الإسكاني المركزي والذي صدر الحكم استناداً إليه، وبجلسة 13/11/2001 قررت المحكمة فتح باب المرافعة لجلسة 13/1/2002 ليقيم المدعى دعواه الدستورية خلال الميعاد المقرر بنص المادة (29) فقرة (ب) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، فأقام المدعى دعواه الماثلة.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير اختصاصها ولائياً بنظر دعوى بذاتها، سابق بالضرورة على تثبتها من توافر شروط اتصال الخصومة القضائية بها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها فى قانونها.

وحيث إن الاختصاص المعقود للمحكمة الدستورية العليا وحدها فى مجال الرقابة الدستورية وفقاً لقانونها يتحدد حصراً بالرقابة على دستورية القوانين بمعناها الموضوعي، أي النصوص القانونية التى تتولد عنها مراكز عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التى سنتها السلطة التشريعية أو تلك التى تضمنتها التشريعات الفرعية التى تصدرها السلطة التنفيذية فى حدود صلاحياتها التى ناطها الدستور بها، وأن تنحسر بالتالي عما سواها.

وحيث إن الأصل أن السلطة التنفيذية لا تتولى التشريع، وإنما يقوم اختصاصها أساساً على إعمال القوانين وإحكام تنفيذها، غير أنه استثناء من هذا الأصل وتحقيقاً لتعاون السلطات وتساندها فقد عهد الدستور إليها فى حالات محددة أعمالاً تدخل فى نطاق الأعمال التشريعية ، ومن ذلك إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، فنصت المادة 144 من الدستور على أن " يصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره فى إصدارها، ويجوز أن يعين القانون من يصدر القرارات اللازمة لتنفيذه. ومؤدى هذا النص أن الدستور حدد على سبيل الحصر الجهات التى تختص بإصدار اللوائح التنفيذية فقصرها على رئيس الجمهورية أو من يفوضه فى ذلك أو من يعينه القانون لإصدارها، بحيث يمتنع على من عداهم ممارسة هذا الاختصاص الدستورى ، وإلا وقع عمله اللائحي مخالفاً لنص المادة 144من الدستور، كما أنه متى عهد القانون إلى جهة معينة بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذه، استقل من عينه القانون دون غيره بإصدارها.
وحيث إن القانون رقم 14 لسنة 1981 بإصدار قانون التعاون الإسكاني وفى الإطار الدستورى الذى حددته المادة (144) من الدستور المشار إليها قد نص فى المادة (19) منه على أن " يصدر الوزير المختص بناء على اقتراح الاتحاد وعرض الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان مشفوعاً برأيها القواعد الواجب مراعاتها فى إعداد النظام الداخلي للجمعية التعاونية للبناء والإسكان "؛ وبناء عليه وتنفيذاً لأحكام القانون فقد أصدر وزير التعمير والدولة للإسكان واستصلاح الأراضي القرارين الطعينين، أولهما تحت رقم 693 لسنة 1981 الذى تضمن القواعد الواجب مراعاتها فى إعداد النظام الداخلي للجمعية التعاونية للبناء والإسكان، بينما صدر ثانيهما تحت رقم 46 لسنة 1982 فى شأن قواعد العمل بالجمعيات التعاونية للبناء والإسكان؛ الأمر الذى يضحى معه ذلك العمل اللائحي محل الدعوى الراهنة غير متجاوز للاختصاص الدستورى الذى حددته المادة (144) من الدستور حيث تمثلت أحكامه فى نصوص قانونية تتولد عنها مراكز عامة مجردة صدرت عن السلطة التنفيذية فى حدود صلاحياتها التى ناطها الدستور بها، مندرجة بالتالي تحت مظلة القوانين بمعناها الموضوعي، الأمر الذى ينعقد معه الاختصاص برقابة دستوريتها للمحكمة الدستورية العليا وحدها.

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية مؤثراً فى الفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وإذ جاءت النصوص الطعينة فى حقيقة الأمر بلورة لقاعدة آمرة لا يجوز تجاهلها أو إسقاطها وبها فرض العمل اللائحي التحكيم جبراً على الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان وأعضائها، ليكون هذا النوع من التحكيم ملزماً، ومستمداً لمصدره المباشر من تلك النصوص المطعون عليها، الأمر الذى ينبئ بذاته عن توافر المصلحة المتطلبة فى الدعوى الراهنة، ولا يغير من ذلك وجود مشارطة تحكيم قد تعد فى شأن كل حالة من حالات التحكيم التى تعرض على النظام المطعون فيه، إذ لا يعدو ذلك أن يكون ترديداً وانصياعاً ملتزماً بما جاءت به النصوص الطعينة.

وحيث إنه يبين من مراجعة أحكام قرار وزير التعمير والدولة للإسكان واستصلاح الأراضى رقم 693 لسنة 1981 أول القرارين الوزاريين المطعون على أحكامهما أنه قد نص فى مادته الأولى على أن " يعمل بالقواعد الواجب مراعاتها فى إعداد النظام الداخلى للجمعية التعاونية للبناء والإسكان المرافق لهذا القرار " كما نص فى الفقرة الرابعة من المادة (13) منه المطعون عليها على أن " يقدم طلب التحاق بالجمعية إلى مجلس الإدارة … على أن يتضمن طلب العضوية إقرار مقدمه الاطلاع على هذا النظام وقبوله الالتزام بأحكامه واعتباره متعاقداً مع الجمعية على مقتضاه، كما يتضمن أنه تراضى مع الجمعية على الالتجاء إلى التحكيم فى جميع المنازعات التى قد تنشأ بينه وبينها بسبب عضويته بها وذلك وفقاً لحكم الباب الثالث من قانون المرافعات ولأحكام هذا النظام "، كما نصت المادة (17) من ذات القرار المطعون عليها أيضاً على أن " يكون لعضو الجمعية إذا صدر قرار يمس مصلحته من مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية للجمعية أن يتقدم إلى الجهة المختصة بالمحافظة أو الاتحاد بطلب الالتجاء للتحكيم وذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ علمه بالقرار وإلا اعتبر قابلاً له ويجب أن يتضمن طلب الالتجاء للتحكيم بياناً كافياً عن القرار موضوع النزاع وتاريخ صدوره وتاريخ علمه به وسنده فى الاعتراض عليه، وعلى الجهة التى يقدم لها الطلب استيفاء بيانات وثيقة التحكيم على النموذج الذى يعده الاتحاد والحصول على توقيع الطرفين عليها تمهيداً لاتخاذ إجراءات الفصل فى النزاع وفقاً لما تتضمنه بيانات تلك الوثيقة من أحكام ". كما يبين من الرجوع لأحكام قرار وزير التعمير والدولة للإسكان واستصلاح الأراضى رقم 46 لسنة 1982 الصادر فى شأن قواعد العمل بالجمعيات التعاونية للبناء والإسكان ثانى القرارين الوزاريين المطعون على أحكامهما أنه قد نص فى مادته الأولى على أن " تعتبر قواعد العمل بالجمعيات التعاونية للبناء والإسكان المرافقة جزءاً من القواعد الواجب مراعاتها فى بيانات النظام الداخلي فى هذه الجمعيات "، كما نصت المادة 10 من ذات القرار المطعون عليها على أن " يلتزم عضو الجمعية فى تعامله معها بما يأتى: 1 ……… 2 ………..5 اتباع نظام التحكيم المنصوص عليه فى المادة 17 من النظام الداخلي للجمعية فى شأن أي نزاع يثور بينه وبين مجلس إدارة الجمعية أو جمعيتها العمومية ".

وحيث إن المدعى ينعى على النصوص الطعينة أنها جعلت اللجوء إلى التحكيم إجبارياً على خلاف الأصل فيه من أن التحكيم مكنة اختيارية يمارسها ذوو الشأن باتفاقهم عليه بإرادتهم الحرة فلا يفرض عليهم قسراً، حيث ألزمت تلك النصوص الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان بإدراج أحكامها وأخصها التحكيم الإجباري فى نظمها الداخلية بما يُعد إخلالاً بحق التقاضى المنصوص عليه فى المادة 68 من الدستور.

وحيث إن الأصل فى التحكيم على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يُعين باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم فى ذلك النزاع بقرار قاطع لدابر الخصومة فى جوانبها التى أحالها الطرفان إليه بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلياً من خلال ضمانات التقاضى الرئيسية، ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجبارياً يذعن إليه أحد الطرفين إنفاذاً لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه وفقاً لأحكامه نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما أو المسائل الخلافية التى يمكن أن تَعرِض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التى يباشرها المحكمون عند البت فيها، وهما يستمدان من اتفاقهما على التحكيم التزامهما بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذاً كاملاً وفقاً لفحواه، ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل فى نزاع وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطانهم ولا يتولون مهامهم بإسناد من الدولة، وبهذه المثابة فإن التحكيم يعتبر نظاماً بديلاً عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضاه عزل المحاكم عن نظر المسائل التى انصب عليها استثناء من أصل خضوعها لولايتها.

وحيث إن حاصل ما تقدم أن النصوص الطعينة قد فرضت على الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان وأعضائها نظاماً للتحكيم لا يلتفت إلى إرادتهم ولا يعول على رضائهم، ويخضع ذوى الشأن منه لأحكامه جبراً، مقوضاً بذلك أهم خصائص التحكيم متمثلة فى اتفاق طرفي النزاع بإرادتهما الحرة فى الأنزعة التى يحددانها وفق القواعد التى يرتضيانها، منتزعاً بذلك ولاية القضاء مستبدلاً بها تحكيماً قسرياً لا خيار لذي شأن فى رفض الامتثال له.

وحيث إن الدستور قد كفل لكل مواطن بنص مادته الثامنة والستين حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي مخولاً إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيئاً دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضى غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية، التى يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التى أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التى يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها كان ذلك إخلالاً بالحماية التى كفلها الدستور لهذا الحق وإنكاراً لحقائق العدل فى جوهر ملامحها.

وحيث إن النصوص الطعينة قد فرضت التحكيم قسراً على الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان وأعضائها، وكان هذا النوع من التحكيم على ما تقدم منافياً للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة ولا يجوز إجراؤه تسلطاً وكرهاً، بما مؤداه أن اختصاص نظام التحكيم الذى انعقد بمقتضى النصوص الطعينة بنظر المنازعات التى أدخلتها جبراً فى ولايتها يكون منتحلاً ومنعدماً وجوداً من الناحية الدستورية، ومنطوياً بالضرورة على إخلال بحق التقاضى بحرمان المتداعين من اللجوء إلى محاكم القانون العام بوصفها قاضيها الطبيعي بالمخالفة للمادة 68من الدستور.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:

أولاً: بعدم دستورية المادتين 13 فقرة 4 و17 من قواعد إعداد النظام الداخلي للجمعية التعاونية للبناء والإسكان المرفقة بقرار وزير التعمير والدولة للإسكان واستصلاح الأراضي رقم 693 لسنة 1981، والمادة (10) من قواعد العمل بالجمعيات التعاونية للبناء والإسكان المرفقة بقرار وزير التعمير والدولة للإسكان واستصلاح الأراضي رقم 46 لسنة 1982 فيما تضمنته تلك النصوص من فرض نظام للتحكيم الإجباري على الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان وأعضائها.

ثانياً: بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة
__________________

عدم دستورية العبارة الواردة بالبند (1) من المادة 19 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 .... اجراءات رد المحكم

م


حكم المحكمة الدستورية العليا: بعدم دستورية العبارة الواردة بالبند (1) من المادة 19 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994
قضية رقم 84 لسنة 19 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"


باسم الشعب ؛

المحكمة الدستورية العليا ؛

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 6 نوفمبر سنة 1999 الموافق 28 رجب سنة 1420هـ

برئاسة السيد المستشار / محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة .

وعضوية السادة المستشارين : فاروق عبد الرحيم غنيم و حمدي محمد على وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد على سيف الدين.

وحضور السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / حمدي أنور صابر - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتي فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 84 لسنة 19 قضائية "دستورية".

المقامة من السيدة / آمال عبد الرحمن محمود بصفتها الحارسة القضائية على شركة ستاركو للفنادق والسياحة .
ضد
1- السيد / رئيس الجمهورية.
2- السيد / رئيس مجلس الوزراء.
3- السيد / وزير العدل.
4- الممثل القانوني لشركة أى اتش اس العالمية للخدمات الفندقية المحدودة.
5- السيد / نبيل سيد عبد اللطيف عن نفسـه وبصفته وليا طبيعيـا على أولاده
القصر مروه ومروان ومنة الله .

6- السيد / الممثل القانوني لمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجارى الدولي.

7- السيد / فيليب دى كولون رئيس هيئة التحكيم.

8- السيد الدكتور / أكثم الخولى.
9- السيد الدكتور / كمال أبو المجد.

الإجراءات

بتاريخ السادس من مايو سنة 1997، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالبة الحكم بعدم دستورية نص البند (1) من المادة 19 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

كما قدم المدعى عليه الرابع مذكرة طلب فيها أصليا الحكم بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة ؛

حيث إن الوقائع- على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن شركة ستاركو للفنادق والسياحة التى تمثلها المدعية كانت قد أبرمت اتفاق استثمار مع المدعى عليه الرابع نص فيه على شرط التحكيم فى المنازعات التى تثور بشأن تنفيذه ويتعذر تسويتها وديا، وإذ نشب نزاع بين الطرفين حول تنفيذ ذلك الاتفاق ، فقد تقدم المدعى عليه الرابع بطلب تحكيم إلى مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجارى الدولي قيد برقم 43 لسنة 1993، وأثناء نظره طلبت المدعية رد هيئة التحكيم على سند من أنها قد مالت بإجراءاتها عن حيادها ، إلا أن تلك الهيئة قضت بتاريخ 10/11/1995 برفض طلب الرد تأسيسا على انتفاء أسبابه ، فطعنت المدعية على هذا القضاء بالاستئناف رقم 20932 لسنة 112 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة طالبة إلغاءه والقضاء برد هيئة التحكيم، وأثناء نظر الطعن دفعت بعدم دستورية البند (1) من المادة 19 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 لتخويلها هيئة التحكيم الفصل فى طلب ردها، وبعد أن قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع وصرحت للمدعية برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقامت الدعوى الماثلة.

وحيث إن المدعى عليه الرابع دفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة وذلك من وجهين :

أولهما : أن إبطال النص المطعون فيه لن يحقق للمدعية أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزها القانوني بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها وذلك باعتبار أن دور المحكمة الاستئنافية يقتصر على التحقق من توافر أو عدم توافر أسباب الرد أيا كان القانون الذى تطبقه ، فضلا عن أن من شأن القضاء بعدم الدستورية انعدام السند القانوني للمدعية فى طلب الرد، ونشوء فراغ تشريعي يحول بين محكمة الموضوع ومضيها فى نظر الطعن المقام منها.
ثانيهما : أنه وقد صدر حكم هيئة التحكيم فى النزاع الموضوعي بتاريخ 15/11/1995، وهو حكم نهائي غير قابل للطعن ، فإنه لم يعد ثمة نزاع قائم ومطروح أمام محكمة الموضوع يمكن إنزال قضاء المحكمة الدستورية العليا عليه.

وحيث إن هذا الدفع بوجهيه مردود ، بأن المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية- مناطها ارتباطها عقلا بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية التى تُدعى هذه المحكمة لحسمها، لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وإذ كان النزاع الذى أثير بمناسبته الدفع بعدم دستورية البند (1) من المادة 19 المطعون فيه- والمطروح على محكمة الاستئناف- يدور فى إطار خصومة الرد ويتعلق بضمانة الحيدة التى يقتضيها العمل القضائى للفصل فيها، ويتغيا التوصل إلى حكم يقضى بإلغاء قضاء هيئة التحكيم برفض طلب الرد المقدم من المدعية، وكانت هذه الغاية تتحقق للمدعية- كأثر للحكم بعدم الدستورية- إذا ما أُبطل النص الطعين، فيما يخوله لهيئة التحكيم من ولاية الفصل فى طلب الرد، إذ يغدو حكمها برفض طلب الرد كأن لم يكن ؛ فإن الفصل فى الخصومة الدستورية الماثلة يكون مرتبطا بالخصومة المطروحة على المحكمة الاستئنافية ومؤثرا فيها ، بما يقيم للمدعية مصلحتها فى الطعن الماثل.

وحيث إنه لا يغير مما تقدم، مضى هيئة التحكيم فى نظر النزاع الأصلي وصدور حكمها النهائي فيه ، ذلك أنه من المقرر أن خصومة الرد تثير ادعاء فرعيا عند نظر الخصومة الأصلية مداره أن قاضيها أو بعض قضاتها الذين يتولون الفصل فيها، قد زايلتهم الحيدة التى يقتضيها العمل القضائى، ومن ثم كان لخصومة الرد خطرها ودقتها سواء بالنظر إلى موضوعها أو الآثار التى تنجم عنها، ولا شأن لها بالتالي بنطاق الخصومة الأصلية المرددة بين أطرافها، ولا بالحقوق التى يطلبونها فيها، ولا بإثباتها أو نفيها، بل تستقل تماما عن موضوعها، فلا يكون لها من صلة بما هو مطروح فيها، ولا بشق من جوانبها، ولا بالمسائل المتفرعة عنها أو العارضة عليها، بل تعتصم خصومة الرد بذاتيتها، لتكون لها مقوماتها الخاصة بها، بما مؤداه استقلال خصومة الرد عن الخصومة الأصلية فى موضوعهـا، وإن ظـل للحكم الصادر فى أولاهما أثره
وانعكاسه على ثانيتهما ولو بعد الفصل فيها بحكم نهائي.

وحيث إن المادة 19 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، تنص على أن : " 1- يقدم طلب الرد كتابة إلى هيئة التحكيم مبينا فيه أسباب الرد خلال خمسة عشر يوما من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل هذه الهيئة أو بالظروف المبررة للرد ، فإذا لم يتنح المحكم المطلوب رده فصلت هيئة التحكيم فى الطلب. 2- ولا يقبل الرد ممن سبق له تقديم طلب المحكم نفسه فى ذات التحكيم • 3- لطالب الرد أن يطعن فى الحكم برفض طلبه خلال ثلاثين يوما من تاريخ إعلانه به أمام المحكمة المشار إليها فى المادة (9) من هذا القانون، ويكون حكمها غير قابل للطعن بأى طريق. 4- لا يترتب على تقديم طلب الرد أو على الطعن فى حكم التحكيم الصادر برفضه وقف إجراءات التحكيم • وإذا حكم برد المحكم سواء من هيئة التحكيم أو من المحكمة عند نظر الطعن، ترتب على ذلك اعتبار ما يكون قد تم من إجراءات التحكيم ، بما فى ذلك حكم المحكمين ، كأن لم يكن".

وحيث إن الثابت من الاطلاع على ملف الدعوى الموضوعية، أن تقدير محكمة الموضوع لجدية الدفع بعدم الدستورية المبدي أمامها قد اقتصر على ما ينص عليه عجز البند الأول من المادة 19 المشار إليها من عبارة "فصلت هيئة التحكيم فى الطلب"، وإذ كان نطاق الدعوى الدستورية- على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع وفى الحدود التى تقدر فيها جديته، فإن نطاق الطعن الراهن يتحدد بالعبارة سالفة الذكر.

وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه- محددا نطاقا على ما تقدم- مخالفته لمبادئ الشريعة الإسلامية - بجعله الخصم فى نزاع حكما فيه، وإخلاله بمبدأ المساواة أمام القانون، إذ أهدر ضمانة الحيدة الواجب توافرها فى المحكمين فى حين استلزم الدستور توافرها فى كل من يلى عملاً قضائيا الأمر الذى يشكل تمييزا غير مبرر بإسقاطه ضمانة الحيدة التى يتطلبها كل عمل قضائى عن فئة من المتقاضين بينما هى مكفولة لغيرهم، ومساسه كذلك بحق التقاضى وذلك بالمخالفة للمواد 2 و 40 و 68من الدستور.

وحيث إن الأصل في التحكيم- على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة- هو عرض نزاع معين بين طرفين علي مُحَكَّم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالأة، مجرداً من التحامل، وقاطعا لدابر الخصومة في جوانبها التى أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيليا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريا يذعن إليه أحد الطرفين إنفاذا لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق علي خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعا قائما أو محتملا، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه- وفقا لأحكامه- نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافيه التي يمكن أن تَعْرِض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها. وهما يستمدان من اتفاقهما علي التحكيم، التزامهما بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذاً كاملا وفقا لفحواه، ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل فى نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطانهم، ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة، وبهذه المثابة فإن التحكيم يعتبر نظاما بديلا عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضاه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التى انصب عليها استثناء من أصل خضوعها لولايتها.

وحيث إن المادة 18 من قانون التحكيم المشار إليه قد عنيت ببيان أسباب رد المحكم فنصت فى فقرتها الأولى على أنه "لا يجوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكا جدية حول حيدته آو استقلاله" وكان ذلك توكيدا على أن ضمانة الحيدة فى خصومة رد المحكم هى من ضمانات التقاضى الأساسية التى لا غنى عنها بالنسبة إلى كل عمل قضائى، ليغدو الحق فى رد المحكم قرين الحق فى رد القاضي.

وحيث إن ضمانة الفصل إنصافا فى المنازعات علي اختلافها وفق نص المادة 67 من الدستور، تمتد بالضرورة إلى كل خصومة قضائية، أيا كانت طبيعة موضوعها جنائيا كان أو مدنيا أو تأديبيا إذ أن التحقيق فى هذه الخصومات وحسمها إنما يتعين إسناده إلى جهة قضاء أو هيئة قضائية منحها القانون اختصاص الفصل فيها بعد أن كفل استقلالها وحيدتها وأحاط الحكم الصادر فيها بضمانات التقاضى التى يندرج تحتها حق كل خصم فى عرض دعواه وطرح أدلتها، والرد على ما يعارضها على ضوء فرص يتكافؤ أطرافها، ليكون تشكيلها وقواعد تنظيمها وطبيعة النظم المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها عملا، محدداً للعدالة مفهوما تقدميا يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة .

وحيث إن الحق فى رد قاض بعينه عن نظر نزاع محدد وثيق الصلة بحق التقاضى المنصوص عليه فى المادة 68 من الدستور ذلك أن مؤداه أن لكل خصومة- فى نهاية مطافها- حلا منصفا يمثل الترضية القضائية التى يقتضيها رد العدوان على الحقوق المدعى بها • وتفترض هذه الترضية أن يكون مضمونها موافقا لأحكام الدستور، وهى لا تكون كذلك إذا كان تقريرها عائدا إلى جهة أو هيئة تفتقر إلى استقلالها أو حيدتها أو هما معا، ذلك أن هاتين الضمانتين- وقد فرضهما الدستور على ما تقدم- تعتبران قيدا على السلطة التقديرية التى يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، ومن ثم يلحق البطلان كل تنظيم تشريعي للخصومة القضائية على خلافهما.

وحيث إن ضمان الدستور- بنص مادته التاسعة والستين- لحق الدفاع ، قد تقرر باعتباره أحد الأركان الجوهرية لسيادة القانون، كافلا للخصومة القضائية عدالتها، وبما يصون قيمها، ويندرج تحتها ألا يكون الفصل فيها بعيدا عن أدلتها، أو نابذا الحق فى إجهاضها من خلال مقابلتها بما يهدمها من الأوراق وأقوال الشهود؛ فلا يكون بنيان الخصومة متحيفا حقوق أحد من الخصوم؛ بل مكافئا بين فرصهم فى مجال إثباتها أو نفيها ؛ استظهارا لحقائقها، واتصالا بكل عناصرها.

وحيث إن البين من نص البند (1) من المادة 19- المطعون على عجزه- أنه قضى بأنه إذا لم يتنح المحكم المطلوب رده فصلت هيئة التحكيم فى الطلب، فدلت بذلك على أنها ناطت الفصل فى خصومة رد المحكم، بهذا المحكم نفسه طالما أنه لم يتنح وظل متمسكا بنظر النزاع الأصلي، إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة منه وحده، أما إذا كانت تلك الهيئة مشكلة من أكثر من محكم وكان طلب الرد يتناول بعضهم أو يشملهم جميعا اختصوا بالفصل فى هذا الطلب • وقد كشفت الأعمال التحضيرية لنص البند المطعون عليه، عن أن المشرع قد اعتبر حكمه يظاهر استقلال هيئة التحكيم باعتباره من المبادئ الأصولية التى تقوم علىها الأنظمة المتقدمة فى التحكيم.


وحيث إن استقلال هيئة التحكيم فيما يصدر عنها من أعمال قضائية ليس استقلالا دائرا فى فراغ ، بل يتحدد مضمونه- فى نطاق الطعن الراهن- بمفهوم استقلال السلطة القضائية باعتبارها المنوط بها أصلا مهمة القضاء، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن استقلال السلطة القضائية وحيدتها ضمانتان تنصبان معا على إدارة العدالة بما يكفل فعاليتها، وهما بذلك متلازمتان. وإذا جاز القول- وهو صحيح- بأن الخصومة القضائية لا يستقيم الفصل فيها حقا وعدلا إذا خالطتها عوامل تؤثر فى موضوعية القرار الصادر بشأنها، فقد صار أمرا مقضيا أن تتعادل ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها فى مجال اتصالها بالفصل فى الحقوق انتصافا لتكون لهما معا القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداهما على الأخرى أو تجبها بل تتضاممان تكاملا وتتكافآن قدراً.

وحيث إن من المقرر أن مبدأ خضوع الدولة للقانون- محددا على ضوء مفهوم ديمقراطي- مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق والضمانات التى يعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية، مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية، وكان لا يجوز أن يكون العمل القضائى موطئا لشبهة تداخل تجرده وتثير ظلالا قاتمة حول حيدته، فلا يطمئن إليه متقاضون استرابوا فيه بعد أن صار نائيا عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية، وكان النص الطعين، قد خول هيئة التحكيم الفصل فى طلب ردها لتقول كلمتها فى شأن يتعلق بذاتها وينصب على حيادها، وكان ذلك مما ينافى قيم العدل ومبادئه وينقض مبدأ خضوع الدولة للقانون وينتهك ضمانة الحيدة التى يقتضيها العمل القضائى بالنسبة إلى فريق من المتقاضين، بينما هى مكفولة لغيرهم، فإنه بذلك يكون قد خالف أحكام المواد 40 و 65 و 67 و 68 و 69 من الدستور، ولا ينال من ذلك ما أشارت إليه هيئة قضايا الدولة فى مذكرة دفاعها وردده المدعى عليه الرابع فى مذكرته الواردة- بعد حجز الدعوى للحكم- بتاريخ 21/10/1999 من أن المشرع قد استمد أحكام النص المطعون فيه من القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولي الذى اعتمدته لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي سنة 1985 واتخذته معظم الدول منهاجا وطريقا لحل المنازعات فى مجال التجارة الدولية ذلك أن الرقابة القضائية على دستورية التشريع التى تباشرها هذه المحكمة- على ماجرى به قضاؤها- مناطها تعارض النصوص القانونية المطعون عليها، مع الأحكام التى تضمنها الدستور، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التى تقرها السلطة التشريعية أو تضمنتها التشريعات الفرعية التى تصدرها السلطة التنفيذية فى حدود صلاحيتها التى ناطها الدستور بها، ومن ثم تمتد تلك الرقابة إلى النص المطعون فيه بعد أن أقرته السلطة التشريعية ولو كان قد استعار قواعده أو بعضها من القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولي المشار إليه. كما لا ينال من ذلك أيضاً أن يكون المشرع قد جعل التقاضى فى خصومة رد المحكم على درجتين، ذلك أن الحقوق والضمانات التى كفلتها النصوص الدستورية السالف الإشارة إليها تعتبر حجر الزاوية والركن الركين فى النظام القضائى ومن ثم يقع الإخلال بها فى حمأة المخالفة الدستورية ولو اقتصر على إحدى الدرجتين.

وحيث إن إبطال هذه المحكمة للنص الطعين، يقتضى تدخل السلطة التشريعية لإقرار نص بديل يتلافى العوار الدستورى السابق بيانه، إعمالا للحجية المطلقة التى أسبغها قانون المحكمة الدستورية العليا على أحكامها فى المسائل الدستورية والتى لازمها نزول الدولة بكامل سلطاتها عليها لتعمل بوسائلها وأدواتها- ومن خلال سلطة التشريع أصليا أو فرعيا، كلما كان ذلك ضروريا- على تطبيقها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة :
بعدم دستورية العبارة الواردة بالبند (1) من المادة 19 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، والتي تنص على أن " فصلت هيئة التحكيم فى الطلب "، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
أمين السر رئيس المحكمة

عدم جواز فرض التحكيم قصرا فى قضاء المحكمة الدستورية العليا

.

القضية رقم 104 لسنة 20 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

باسم الشعب ؛

المحكمة الدستورية العليا ؛

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 3 يوليو سنة1999 الموافق 19ربيع الأول سنة 1420 هـ

برئاسة السيد المستشار / محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة .

وعضوية السادة المستشارين / فاروق عبد الرحيم غنيم و حمدي محمد على وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري .

وحضور السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق -- رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / حمدي أنور --- أمين السر

أصدرت الحكم الآتي ؛
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 104 لسنة 20 قضائية " دستورية"

المقامة من السيد / صادق كمال القطب بصفته ممثلا قانونيا لشركة القطب للصناعة والتجارة .
ضد :
1 - السيد / رئيس الجمهورية.
2 - السيد / رئيس مجلس الوزراء.
3 - السيد / رئيس مجلس الشعب.
4 - السيد / وزير المالية.
5 - السيد / رئيس مصلحة الجمارك.
6 - السيد / مدير عام جمارك الإسكندرية والمنطقة الغربية.
7 - السيد / مدير البنك التجارى فرع مصر الجديدة.
8 - السيد / مدير البنك التجارى الدولي فرع مدينة نصر .

الإجراءات
بتاريخ السابع عشر من مايو سنة 1998، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبا الحكم بعدم دستورية المادة الخامسة من قرار وزير المالية رقم 228 لسنة 1985 بشأن نظام التحكيم فى المنازعات بين أصحاب البضائع ومصلحة الجمارك، الصادر تطبيقا للمادة 57 من قانون الجمارك وبسقوط أحكام تلك المادة .

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيا برفضها .

وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .

ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة ؛

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 7963 لسنة 1993 مدني أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية مختصما فيها المدعى عليهما الرابع والخامس ابتغاء الحكم :
أولا : بخضوع خيوط البوليستر المحلولة غير المتضخمة وخيوط النايلون المستمرة المحلولة غير المتضخمة للبند 51 /1 فقرة (ب) من قرار رئيس الجمهورية رقم 305 لسنة 1989 بتعديل التعريفة الجمركية وتحصيل الرسـوم
المقررة طبقا له .
ثانيا : بإلزام جمارك الإسكندرية والمنطقة الغربية برد قيمة 41% المدفوعة على سبيل الأمانة خصما من خطاب الضمان الصادر من البنك التجارى الدولي البالغ قيمته 363194.66 جنيها .

وقال المدعى شرحا لتلك الدعوى أن شركة القطب للصناعة والتجارة التى يمثلها كانت قد استوردت رسائل من تلك الخيوط، وعند تسلمها من ميناء الإسكندرية ثار خلاف بينها وبين مصلحة الجمارك حول الرسوم الجمركية المستحقة عليها، فتمسكت الشركة بإدراجها تحت البند 51/1 فقرة (ب) من التعريفة الجمركية الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 351 لسنة 1986 المعدل بالقرارين رقمي 304 و 305 لسنة 1989؛ بينما ارتأت مصلحة الجمارك إخضاع تلك الرسائل للبند 51/1 فقرة ( أ ) من هذه التعريفة، وحتى تتمكن الشركة من تسلم بضاعتها قامت بسداد الرسوم الجمركية وفق ما انتهى إليه رأى الجمارك • وإذ قُضى فى تلك الدعوى بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها بالتحكيم الجمركي على سند من المادة 57 من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 وقرار وزير المالية رقم 228 لسنة 1985 المنفذ لأحكامها، فقد طعن المدعى فى ذلك الحكم بالاستئناف رقم 9743 لسنة 114 قضائية، وأثناء نظره دفع بعدم دستورية المادة الخامسة من قرار وزير المالية رقم 228 لسنة 1985 بشأن نظام التحكيم فى المنازعات بين أصحاب البضائع ومصلحة الجمارك، وبعد أن قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع ، صرحت للمدعى برفع الدعوى الدستورية ، فأقام الدعوى الماثلة .

وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول هذه الدعوى، تأسيسا على أنها لم تتصل بالمحكمة الدستورية العليا طبقا للأوضاع المقررة قانونا، قولا منها بأن المحكمة التى قدرت جدية الدفع بعدم الدستورية وصرحت برفع الدعوى الدستورية غير مختصة بنظر النزاع الموضوعي بعد أن تم حسمه نهائيا بقرار صدر عن لجنة التحكيم المنصوص عليها فى المادة الخامسة من قرار وزير المالية رقم 228 لسنة 1985 تطبيقا للمادة 57 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 وتأيد ذلك بقضاء المحكمة الابتدائية، وبالتالي فإن الدعوى الدستورية الماثلة تكون غير مرتبطة بطلبات موضوعية قائمة ومطروحة على محكمة الموضوع •

وحيث إن هذا الدفع مردود :
أولاً : بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، من أن لكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها ومقوماتها، ذلك أنهما لا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان فى شرائط قبولهما، بل تستقل كل منهما عن الأخرى فى موضوعها، وكذلك فى مضمون الشروط التى يتطلبها القانون لجواز رفعها . وليس من بين المهام التى ناطها المشرع بالمحكمة الدستورية العليا، الفصل فى شروط اتصال الدعوى الموضوعية بمحكمة الموضوع وفقاً للأوضاع المقررة أمامها . وإنما تنحصر ولايتها فيما يعرض عليها من المسائل الدستورية لتقرير صحة النصوص المطعون عليها أو بطلانها .

ومردود ثانيا : بأن محكمة الاستئناف كانت بصدد إعمال رقابتها على قضاء المحكمة الابتدائية المطعون فيه أمامها، وكان الدفع بعدم الدستورية متعلقا بالنصوص القانونية التى اتخذها هذا القضاء سندا له .

ومردود ثالثا : بأن الشرعية الدستورية التى تقوم المحكمة الدستورية العليا بمراقبة التقيد بها، غايتها ضمان أن تكون النصوص القانونية مطابقة لأحكام الدستور، وتتبوأ هذه الشرعية من البنيان القانوني في الدولة ذراه . وهى كذلك فرع من خضوعها للقانون، بما مؤداه امتناع قيام أى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى بتطبيق نص قانوني يكون لازما للفصل فى ولايتها، أو فى موضوع النزاع المعروض عليها، إذا بدا لها - من وجهة مبدئية - مصادما للدستور، ذلك أن وجود هذه الشبهة لديها، يلزمها أن تستوثق من صحتها، من خلال عرضها على المحكمة الدستورية العليا التى عقد لها الدستور دون غيرها ولاية الفصل فى المسائل الدستورية.

وحيث إن البين من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 أنه عقد للتحكيم فصلا مستقلا ، هو الفصل الرابع من الباب الثالث منه، متضمنا المادتين 57 و 58 إذ تنص أولاهما على أنه : " إذا قام نزاع بين الجمارك وصاحب البضاعة حول نوعها أو منشئها أو قيمتها، أثبت هذا النزاع فى محضر يحال إلى حكمين يعين الجمرك أحدهما ويعين الآخر صاحب البضاعة أو من يمثله، وإذا امتنع ذو الشأن عن تعيين الحكم الذى يختاره خلال ثمانية أيام من تاريخ المحضر اعتبر رأى الجمارك نهائيا • وفى حالة اتفاق الحكمين يكون قرارهما نهائيا • فإذا اختلفا رفع النزاع إلى لجنة مؤلفة من مفوض دائم يعينه وزير الخزانة ومن عضوين أحدهما يمثل الجمارك يختاره المدير العام للجمارك والآخر يمثل غرفة التجارة يختاره رئيس الغرفة، وتصدر اللجنة قرارها بعد أن تستمع إلى الحكمين ومن ترى الاستعانة به من الفنيين • ويكون القرار الصادر من اللجنة واجب التنفيذ ويشتمل على بيان بمن يتحمل نفقات التحكيم • ويحدد وزير الخزانة عدد اللجان ومراكزها ودوائر اختصاصها والإجراءات التى تتبع أمامها والمكافآت التى تصرف لأعضائها ونفقات التحكيم" أما المادة 58 فقد نصت على أنه " لا يجوز التحكيم المشار إليه فى المادة السابقة إلا بالنسبة إلى البضائع التى لاتزال تحت رقابة الجمارك" وإنفاذا لحكم المادة 75المشار إليها صدر قرار وزير المالية رقم 228 لسنة 1985 بشأن نظام التحكيم فى المنازعات بين أصحاب البضائع ومصلحة الجمارك، ناصا فى مادته الخامسة على أن : " تنظر فى المنازعات المشار إليها فى هذا القرار لجان تحكيم تشكل فى المجمعات والقطاعات الجمركية على النحو التالى : أولا : لجان تحكيم ابتدائية : وتشكل لجنة أو أكثر فى كل مجمع جمركى بقرار من رئيس مصلحة الجمارك من حكمين : أحدهما يعينه رئيس مصلحة الجمارك على أن يكون غير موظف الجمرك الذى نشأ معه النزاع • والآخر يختاره صاحب البضاعة أو من يمثله قانونا على أن يُخطَر مدير المجمع باسم هذا المحكم خلال ثمانية أيام من تاريخ المحضر المشار إليه فى المادة الرابعة، وذلك بكتاب موصى عليه أو بإخطار كتابي يسلم بإيصال إلى الجمرك المختص، ويعتبر عدم تعيين المحكم خلال هذه المدة امتناعا من صاحب البضاعة أو من يمثله قانونا عن تعيينه ويعتبر رأى الجمارك نهائيا • ثانيا : لجان تحكيم عالية : يرفع إليها المنازعات فى حالة اختلاف الحكمين فى المنازعات التى تنظرها لجان التحكيم الابتدائية، وتشكل لجنة أو اكثر فى كل قطاع جمركي بقرار من وزير المالية على النحو التالي : - مفوض دائم يعينه وزير المالية لمدة سنة قابلة للتجديد • - عضو يمثل الجمارك ويختاره رئيس مصلحة الجمارك من بين العاملين بالقطاع الجمركى المختص على أن يكون غير موظف الجمرك الذى نشأ معه النزاع أو حكم فى اللجنة الابتدائية• - عضو يمثل غرفة التجارة يختاره رئيس الغرفة التجارية من الشعبة المختصة الذى تقع فى دائرتها اللجنة • وللجنة أن تستعين بمن تراه لازما من الفنيين دون أن يكون لهم رأى معدود فى إصدار القرار".

وحيث إن الرقابة القضائية التى تباشرها هذه المحكمة فى شأن دستورية النصوص القانونية المطعون فيها، لا تحول بينها ورد هذه النصوص إلى الأصول التى أنبتتها كلما آل إبطالها إلى زوال ما تفرع عنها واتصل بها اتصال قرار ؛ إذ كان ذلك ، وكان النص المطعون فيه قد صدر تنفيذا للمادة 57 من قانون الجمارك مستمدا قواعده وأحكامه منها، فإنه يغدو مرتبطا عضويا بهذه المادة، وبالتالي لا يجوز قصر نطاق الدعوى الدستورية الماثلة على النص المطعون عليه فيها وحده، بل يكون نطاقها مشتملا بالضرورة على أصل القاعدة التى تفرع هذا النص عنها متمثلا فى المادة 57 المشار إليها •

وحيث إن المدعى ينعى على النصوص القانونية الطعينة - محددة نطاقا على ماتقدم - أنها جعلت اللجوء إلى التحكيم إجباريا، على خلاف الأصل فيه - وما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا - من أن التحكيم مكنة اختيارية يمارسها ذوو الشأن باتفاقهم عليه بإرادتهم الحرة، فلايفرض عليهم قسرا، وأنها إذ حالت دون خضوع القرارات الصادرة من لجان التحكيم لرقابة القضاء، فإنها تكون قد أخلت بحق التقاضى المنصوص عليه فى المادة 68 من الدستور •

وحيث إن البين من النصوص الطعينة - على ضوء التطور التشريعي الذى مرت به - أن المشرع قد أنشأ بها نظاما للتحكيم الإجباري كوسيلة لإنهاء المنازعات التى تقوم بين أصحاب البضائع ومصلحة الجمارك حول نوع البضاعة أو منشئها أو قيمتها، وذلك بدلا من اللجوء فى شأنها إلى القضاء، مواصلا بذلك سياسة تشريعية سبق أن اختطها وسار عليها زمنا طويلا قبل إقراره لتلك النصوص، فقد كان المرسوم الصادر فى الرابع عشر من فبراير سنة 1930 بوضع تعريفة جديدة للرسوم الجمركية - إنفاذا لحكم المادة الأولى من القانون رقم 2 لسنة 1930 بتعديل التعريفة الجمركية - ينص فى مادته السابعة على أنه " إذا قام نزاع بشأن نوع البضاعة أو صنفها أو مصدرها يحرر الجمرك محضرا يدون فيه تفصيلات الخلاف ويحال بعد ذلك لغرض المعاينة إلى خبيرين يعين أحدهما الجمرك والآخر المقرر عن البضاعة • وإذا امتنع المقرر عن تعيين الخبير الذى ينوب عنه فى خلال ثمانية أيام من تاريخ المحضر يعتبر رأى الجمرك نهائيا • فإذا اتفق الخبيران اعتبرت قراراتهما نهائية أما فى حالة الخلاف فيرفع النزاع إلى قوميسير تعينه الحكومة • يصدر القوميسير قراره بعد سماع الخبيرين وبعد الاطلاع على الملاحظات الكتابية والمستندات التى تقدم له • وللقوميسير إذا رأى ضرورة لذلك أن يأمر بتحليل البضائع التى هى موضوع النزاع وأن يسترشد فى حل الخلاف بآراء الفنيين الأخصائيين فى ذلك من غير أن يرتبط بآرائهم • ولا تكون قرارات القوميسير قابلة لأي طعن • ولا يجوز للمحاكم بأية حال من الأحوال أن تنظر فى المنازعات التى تحدث بين الجمرك وبين المقررين عن البضائع فيما يختص بنوع هذه البضاعة أو صنفها أو مصدرها الأصلي ولا فى القرارات التى تصدر فى هذا الشأن" وبعد ذلك صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 المشار إليه، ودلت مذكرته الإيضاحية على أن اللائحة الجمركية الصادرة فى 12 ابريل 1884 والتشريعات المكملة لها كانت مصدرا تشريعيا للأحكام التى تضمنها قانون الجمارك ؛ وأنه بعد أن كان الخلاف بين الجمارك وأصحاب البضائع حول قيمة البضاعة لا يتناوله النظام القانوني السابق أضحى وفقا للمادة 57 من قانون الجمارك داخلا فى إطارها ؛ وأن التحكيم عملا بحكم المادة 57 المشار إليها قد استُبدل بالقوميسير، وبات يجرى على درجتين •

وحيث إن قضاء هذه المحكمة مضطرد على أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين علي مُحَكَّم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها ، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالأة، مجرداً من التحامل، وقاطعا لدابر الخصومة في جوانبها التى أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية 0 ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريا يُذعن إليه أحد الطرفين إنفاذا لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق علي خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعا قائما أو محتملا، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه وفقا لأحكامه نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافيه التي يمكن أن تَعْرِض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها 0 ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذاً كاملا وفقا لفحواه 0ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل فى نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولايتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة.

وحيث إن نظام التحكيم الإجباري الذى فرضته النصوص الطعينة - ومؤداه خضوع ذوى الشأن لأحكامه قهرا - قوّض أهم خصائص التحكيم ممثلة فى اتفاق طرفي النزاع بإرادتهما الحرة فى الأنزعة التى يحددانها وفق القواعد التى يرتضيانها، وليكون لأي منهما حق التمسك بانعدامه أو ببطلانه أو بسقوطه بحسب الأحوال وطبقا للقانون ، مما أدى إلى عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التى يتناولها منتزعا ولايتها مستبدلاً بها تحكيما قسريا لا خيار لذي الشأن فى رفض الامتثال له، وإلا صار قرار الإدارة الجمركية نهائيا ؛ فإذا نزل على إرادتها وعيّن محكما يمثله فى لجنة التحكيم الابتدائية، آل أمر الفصل فى النزاع عند اختلاف الحَكَمين إلى لجنة التحكيم العالية لتصدر فى غيبته قرارا نهائيا واجب التنفيذ •

وحيث إن الدستور قد كفل لكل مواطن بنص مادته الثامنة والستين حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي مخولا إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلي ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيئا دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضى غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية، التى يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التى أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التى يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها كان ذلك إخلالا بالحماية التى كفلها الدستور لهذا الحق وإنكارا لحقائق العدل فى جوهر ملامحها .

وحيث إن النصوص الطعينة - بالتحديد السالف بيانه - قد فرضت التحكيم قسرا على أصحاب البضاعة، وخلعت قوة تنفيذية على القرارات التى تصدرها لجان التحكيم فى حقهم عند وقوع الخلاف بينهم وبين مصلحة الجمارك حول نوع البضاعة أو منشئها أو قيمتها، وكان هذا النوع من التحكيم - على ما تقدم - منافيا للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لايتولد إلا عن الإرادة الحرة ولا يجوز إجراؤه تسلطا وكرها، بما مؤداه أن اختصاص جهات التحكيم التى أنشأتها النصوص الطعينة بنظر المنازعات التى أدخلتها جبرا فى ولايتها يكون منتحلا ومنعدما وجودا من زاوية دستورية، ومنطويا بالضرورة على إخلال بحق التقاضى بحرمان المتداعين من اللجوء - فى واقعة النزاع الموضوعي الماثل - إلى محاكم القانون العام بوصفها قاضيها الطبيعي بالمخالفة للمادة 68 من الدستور .

وحيث إنه لما كانت المادة 57 من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 هى الأساس التشريعي الذى يقوم عليه قرار وزير المالية رقم 822 لسنة 1985 المشار إليه، وإذ كانت المادة 58 من قانون الجمارك ترتبط ارتباطا لا يقبل التجزئة بالمادة 57 منه، فإن هذه النصوص جميعها تسقط لزوما تبعا للحكم بعدم دستورية المادة 57 المشار إليها، إذ لا يتصور بدونها وجود لتلك النصوص .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولا : بعدم دستورية المادة 57 من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 .
ثانيا : بسقوط المادة 58 من هذا القانون، وكذلك بسقوط قرار وزير المالية رقم 822 لسنة 1985 بشأن نظام التحكيم فى المنازعات بين أصحاب البضائع ومصلحة الجمارك .
ثالثا : بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة •
أمين السر رئيس المحكمة