الثلاثاء، 1 يونيو 2010

عدم جواز فرض التحكيم قصرا فى قضاء المحكمة الدستورية العليا

.

القضية رقم 104 لسنة 20 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

باسم الشعب ؛

المحكمة الدستورية العليا ؛

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 3 يوليو سنة1999 الموافق 19ربيع الأول سنة 1420 هـ

برئاسة السيد المستشار / محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة .

وعضوية السادة المستشارين / فاروق عبد الرحيم غنيم و حمدي محمد على وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري .

وحضور السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق -- رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / حمدي أنور --- أمين السر

أصدرت الحكم الآتي ؛
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 104 لسنة 20 قضائية " دستورية"

المقامة من السيد / صادق كمال القطب بصفته ممثلا قانونيا لشركة القطب للصناعة والتجارة .
ضد :
1 - السيد / رئيس الجمهورية.
2 - السيد / رئيس مجلس الوزراء.
3 - السيد / رئيس مجلس الشعب.
4 - السيد / وزير المالية.
5 - السيد / رئيس مصلحة الجمارك.
6 - السيد / مدير عام جمارك الإسكندرية والمنطقة الغربية.
7 - السيد / مدير البنك التجارى فرع مصر الجديدة.
8 - السيد / مدير البنك التجارى الدولي فرع مدينة نصر .

الإجراءات
بتاريخ السابع عشر من مايو سنة 1998، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبا الحكم بعدم دستورية المادة الخامسة من قرار وزير المالية رقم 228 لسنة 1985 بشأن نظام التحكيم فى المنازعات بين أصحاب البضائع ومصلحة الجمارك، الصادر تطبيقا للمادة 57 من قانون الجمارك وبسقوط أحكام تلك المادة .

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيا برفضها .

وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .

ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة ؛

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 7963 لسنة 1993 مدني أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية مختصما فيها المدعى عليهما الرابع والخامس ابتغاء الحكم :
أولا : بخضوع خيوط البوليستر المحلولة غير المتضخمة وخيوط النايلون المستمرة المحلولة غير المتضخمة للبند 51 /1 فقرة (ب) من قرار رئيس الجمهورية رقم 305 لسنة 1989 بتعديل التعريفة الجمركية وتحصيل الرسـوم
المقررة طبقا له .
ثانيا : بإلزام جمارك الإسكندرية والمنطقة الغربية برد قيمة 41% المدفوعة على سبيل الأمانة خصما من خطاب الضمان الصادر من البنك التجارى الدولي البالغ قيمته 363194.66 جنيها .

وقال المدعى شرحا لتلك الدعوى أن شركة القطب للصناعة والتجارة التى يمثلها كانت قد استوردت رسائل من تلك الخيوط، وعند تسلمها من ميناء الإسكندرية ثار خلاف بينها وبين مصلحة الجمارك حول الرسوم الجمركية المستحقة عليها، فتمسكت الشركة بإدراجها تحت البند 51/1 فقرة (ب) من التعريفة الجمركية الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 351 لسنة 1986 المعدل بالقرارين رقمي 304 و 305 لسنة 1989؛ بينما ارتأت مصلحة الجمارك إخضاع تلك الرسائل للبند 51/1 فقرة ( أ ) من هذه التعريفة، وحتى تتمكن الشركة من تسلم بضاعتها قامت بسداد الرسوم الجمركية وفق ما انتهى إليه رأى الجمارك • وإذ قُضى فى تلك الدعوى بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها بالتحكيم الجمركي على سند من المادة 57 من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 وقرار وزير المالية رقم 228 لسنة 1985 المنفذ لأحكامها، فقد طعن المدعى فى ذلك الحكم بالاستئناف رقم 9743 لسنة 114 قضائية، وأثناء نظره دفع بعدم دستورية المادة الخامسة من قرار وزير المالية رقم 228 لسنة 1985 بشأن نظام التحكيم فى المنازعات بين أصحاب البضائع ومصلحة الجمارك، وبعد أن قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع ، صرحت للمدعى برفع الدعوى الدستورية ، فأقام الدعوى الماثلة .

وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول هذه الدعوى، تأسيسا على أنها لم تتصل بالمحكمة الدستورية العليا طبقا للأوضاع المقررة قانونا، قولا منها بأن المحكمة التى قدرت جدية الدفع بعدم الدستورية وصرحت برفع الدعوى الدستورية غير مختصة بنظر النزاع الموضوعي بعد أن تم حسمه نهائيا بقرار صدر عن لجنة التحكيم المنصوص عليها فى المادة الخامسة من قرار وزير المالية رقم 228 لسنة 1985 تطبيقا للمادة 57 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 وتأيد ذلك بقضاء المحكمة الابتدائية، وبالتالي فإن الدعوى الدستورية الماثلة تكون غير مرتبطة بطلبات موضوعية قائمة ومطروحة على محكمة الموضوع •

وحيث إن هذا الدفع مردود :
أولاً : بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، من أن لكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها ومقوماتها، ذلك أنهما لا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان فى شرائط قبولهما، بل تستقل كل منهما عن الأخرى فى موضوعها، وكذلك فى مضمون الشروط التى يتطلبها القانون لجواز رفعها . وليس من بين المهام التى ناطها المشرع بالمحكمة الدستورية العليا، الفصل فى شروط اتصال الدعوى الموضوعية بمحكمة الموضوع وفقاً للأوضاع المقررة أمامها . وإنما تنحصر ولايتها فيما يعرض عليها من المسائل الدستورية لتقرير صحة النصوص المطعون عليها أو بطلانها .

ومردود ثانيا : بأن محكمة الاستئناف كانت بصدد إعمال رقابتها على قضاء المحكمة الابتدائية المطعون فيه أمامها، وكان الدفع بعدم الدستورية متعلقا بالنصوص القانونية التى اتخذها هذا القضاء سندا له .

ومردود ثالثا : بأن الشرعية الدستورية التى تقوم المحكمة الدستورية العليا بمراقبة التقيد بها، غايتها ضمان أن تكون النصوص القانونية مطابقة لأحكام الدستور، وتتبوأ هذه الشرعية من البنيان القانوني في الدولة ذراه . وهى كذلك فرع من خضوعها للقانون، بما مؤداه امتناع قيام أى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى بتطبيق نص قانوني يكون لازما للفصل فى ولايتها، أو فى موضوع النزاع المعروض عليها، إذا بدا لها - من وجهة مبدئية - مصادما للدستور، ذلك أن وجود هذه الشبهة لديها، يلزمها أن تستوثق من صحتها، من خلال عرضها على المحكمة الدستورية العليا التى عقد لها الدستور دون غيرها ولاية الفصل فى المسائل الدستورية.

وحيث إن البين من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 أنه عقد للتحكيم فصلا مستقلا ، هو الفصل الرابع من الباب الثالث منه، متضمنا المادتين 57 و 58 إذ تنص أولاهما على أنه : " إذا قام نزاع بين الجمارك وصاحب البضاعة حول نوعها أو منشئها أو قيمتها، أثبت هذا النزاع فى محضر يحال إلى حكمين يعين الجمرك أحدهما ويعين الآخر صاحب البضاعة أو من يمثله، وإذا امتنع ذو الشأن عن تعيين الحكم الذى يختاره خلال ثمانية أيام من تاريخ المحضر اعتبر رأى الجمارك نهائيا • وفى حالة اتفاق الحكمين يكون قرارهما نهائيا • فإذا اختلفا رفع النزاع إلى لجنة مؤلفة من مفوض دائم يعينه وزير الخزانة ومن عضوين أحدهما يمثل الجمارك يختاره المدير العام للجمارك والآخر يمثل غرفة التجارة يختاره رئيس الغرفة، وتصدر اللجنة قرارها بعد أن تستمع إلى الحكمين ومن ترى الاستعانة به من الفنيين • ويكون القرار الصادر من اللجنة واجب التنفيذ ويشتمل على بيان بمن يتحمل نفقات التحكيم • ويحدد وزير الخزانة عدد اللجان ومراكزها ودوائر اختصاصها والإجراءات التى تتبع أمامها والمكافآت التى تصرف لأعضائها ونفقات التحكيم" أما المادة 58 فقد نصت على أنه " لا يجوز التحكيم المشار إليه فى المادة السابقة إلا بالنسبة إلى البضائع التى لاتزال تحت رقابة الجمارك" وإنفاذا لحكم المادة 75المشار إليها صدر قرار وزير المالية رقم 228 لسنة 1985 بشأن نظام التحكيم فى المنازعات بين أصحاب البضائع ومصلحة الجمارك، ناصا فى مادته الخامسة على أن : " تنظر فى المنازعات المشار إليها فى هذا القرار لجان تحكيم تشكل فى المجمعات والقطاعات الجمركية على النحو التالى : أولا : لجان تحكيم ابتدائية : وتشكل لجنة أو أكثر فى كل مجمع جمركى بقرار من رئيس مصلحة الجمارك من حكمين : أحدهما يعينه رئيس مصلحة الجمارك على أن يكون غير موظف الجمرك الذى نشأ معه النزاع • والآخر يختاره صاحب البضاعة أو من يمثله قانونا على أن يُخطَر مدير المجمع باسم هذا المحكم خلال ثمانية أيام من تاريخ المحضر المشار إليه فى المادة الرابعة، وذلك بكتاب موصى عليه أو بإخطار كتابي يسلم بإيصال إلى الجمرك المختص، ويعتبر عدم تعيين المحكم خلال هذه المدة امتناعا من صاحب البضاعة أو من يمثله قانونا عن تعيينه ويعتبر رأى الجمارك نهائيا • ثانيا : لجان تحكيم عالية : يرفع إليها المنازعات فى حالة اختلاف الحكمين فى المنازعات التى تنظرها لجان التحكيم الابتدائية، وتشكل لجنة أو اكثر فى كل قطاع جمركي بقرار من وزير المالية على النحو التالي : - مفوض دائم يعينه وزير المالية لمدة سنة قابلة للتجديد • - عضو يمثل الجمارك ويختاره رئيس مصلحة الجمارك من بين العاملين بالقطاع الجمركى المختص على أن يكون غير موظف الجمرك الذى نشأ معه النزاع أو حكم فى اللجنة الابتدائية• - عضو يمثل غرفة التجارة يختاره رئيس الغرفة التجارية من الشعبة المختصة الذى تقع فى دائرتها اللجنة • وللجنة أن تستعين بمن تراه لازما من الفنيين دون أن يكون لهم رأى معدود فى إصدار القرار".

وحيث إن الرقابة القضائية التى تباشرها هذه المحكمة فى شأن دستورية النصوص القانونية المطعون فيها، لا تحول بينها ورد هذه النصوص إلى الأصول التى أنبتتها كلما آل إبطالها إلى زوال ما تفرع عنها واتصل بها اتصال قرار ؛ إذ كان ذلك ، وكان النص المطعون فيه قد صدر تنفيذا للمادة 57 من قانون الجمارك مستمدا قواعده وأحكامه منها، فإنه يغدو مرتبطا عضويا بهذه المادة، وبالتالي لا يجوز قصر نطاق الدعوى الدستورية الماثلة على النص المطعون عليه فيها وحده، بل يكون نطاقها مشتملا بالضرورة على أصل القاعدة التى تفرع هذا النص عنها متمثلا فى المادة 57 المشار إليها •

وحيث إن المدعى ينعى على النصوص القانونية الطعينة - محددة نطاقا على ماتقدم - أنها جعلت اللجوء إلى التحكيم إجباريا، على خلاف الأصل فيه - وما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا - من أن التحكيم مكنة اختيارية يمارسها ذوو الشأن باتفاقهم عليه بإرادتهم الحرة، فلايفرض عليهم قسرا، وأنها إذ حالت دون خضوع القرارات الصادرة من لجان التحكيم لرقابة القضاء، فإنها تكون قد أخلت بحق التقاضى المنصوص عليه فى المادة 68 من الدستور •

وحيث إن البين من النصوص الطعينة - على ضوء التطور التشريعي الذى مرت به - أن المشرع قد أنشأ بها نظاما للتحكيم الإجباري كوسيلة لإنهاء المنازعات التى تقوم بين أصحاب البضائع ومصلحة الجمارك حول نوع البضاعة أو منشئها أو قيمتها، وذلك بدلا من اللجوء فى شأنها إلى القضاء، مواصلا بذلك سياسة تشريعية سبق أن اختطها وسار عليها زمنا طويلا قبل إقراره لتلك النصوص، فقد كان المرسوم الصادر فى الرابع عشر من فبراير سنة 1930 بوضع تعريفة جديدة للرسوم الجمركية - إنفاذا لحكم المادة الأولى من القانون رقم 2 لسنة 1930 بتعديل التعريفة الجمركية - ينص فى مادته السابعة على أنه " إذا قام نزاع بشأن نوع البضاعة أو صنفها أو مصدرها يحرر الجمرك محضرا يدون فيه تفصيلات الخلاف ويحال بعد ذلك لغرض المعاينة إلى خبيرين يعين أحدهما الجمرك والآخر المقرر عن البضاعة • وإذا امتنع المقرر عن تعيين الخبير الذى ينوب عنه فى خلال ثمانية أيام من تاريخ المحضر يعتبر رأى الجمرك نهائيا • فإذا اتفق الخبيران اعتبرت قراراتهما نهائية أما فى حالة الخلاف فيرفع النزاع إلى قوميسير تعينه الحكومة • يصدر القوميسير قراره بعد سماع الخبيرين وبعد الاطلاع على الملاحظات الكتابية والمستندات التى تقدم له • وللقوميسير إذا رأى ضرورة لذلك أن يأمر بتحليل البضائع التى هى موضوع النزاع وأن يسترشد فى حل الخلاف بآراء الفنيين الأخصائيين فى ذلك من غير أن يرتبط بآرائهم • ولا تكون قرارات القوميسير قابلة لأي طعن • ولا يجوز للمحاكم بأية حال من الأحوال أن تنظر فى المنازعات التى تحدث بين الجمرك وبين المقررين عن البضائع فيما يختص بنوع هذه البضاعة أو صنفها أو مصدرها الأصلي ولا فى القرارات التى تصدر فى هذا الشأن" وبعد ذلك صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 المشار إليه، ودلت مذكرته الإيضاحية على أن اللائحة الجمركية الصادرة فى 12 ابريل 1884 والتشريعات المكملة لها كانت مصدرا تشريعيا للأحكام التى تضمنها قانون الجمارك ؛ وأنه بعد أن كان الخلاف بين الجمارك وأصحاب البضائع حول قيمة البضاعة لا يتناوله النظام القانوني السابق أضحى وفقا للمادة 57 من قانون الجمارك داخلا فى إطارها ؛ وأن التحكيم عملا بحكم المادة 57 المشار إليها قد استُبدل بالقوميسير، وبات يجرى على درجتين •

وحيث إن قضاء هذه المحكمة مضطرد على أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين علي مُحَكَّم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها ، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالأة، مجرداً من التحامل، وقاطعا لدابر الخصومة في جوانبها التى أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية 0 ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريا يُذعن إليه أحد الطرفين إنفاذا لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق علي خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعا قائما أو محتملا، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه وفقا لأحكامه نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافيه التي يمكن أن تَعْرِض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها 0 ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذاً كاملا وفقا لفحواه 0ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل فى نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولايتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة.

وحيث إن نظام التحكيم الإجباري الذى فرضته النصوص الطعينة - ومؤداه خضوع ذوى الشأن لأحكامه قهرا - قوّض أهم خصائص التحكيم ممثلة فى اتفاق طرفي النزاع بإرادتهما الحرة فى الأنزعة التى يحددانها وفق القواعد التى يرتضيانها، وليكون لأي منهما حق التمسك بانعدامه أو ببطلانه أو بسقوطه بحسب الأحوال وطبقا للقانون ، مما أدى إلى عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التى يتناولها منتزعا ولايتها مستبدلاً بها تحكيما قسريا لا خيار لذي الشأن فى رفض الامتثال له، وإلا صار قرار الإدارة الجمركية نهائيا ؛ فإذا نزل على إرادتها وعيّن محكما يمثله فى لجنة التحكيم الابتدائية، آل أمر الفصل فى النزاع عند اختلاف الحَكَمين إلى لجنة التحكيم العالية لتصدر فى غيبته قرارا نهائيا واجب التنفيذ •

وحيث إن الدستور قد كفل لكل مواطن بنص مادته الثامنة والستين حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي مخولا إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلي ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيئا دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضى غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية، التى يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التى أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التى يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها كان ذلك إخلالا بالحماية التى كفلها الدستور لهذا الحق وإنكارا لحقائق العدل فى جوهر ملامحها .

وحيث إن النصوص الطعينة - بالتحديد السالف بيانه - قد فرضت التحكيم قسرا على أصحاب البضاعة، وخلعت قوة تنفيذية على القرارات التى تصدرها لجان التحكيم فى حقهم عند وقوع الخلاف بينهم وبين مصلحة الجمارك حول نوع البضاعة أو منشئها أو قيمتها، وكان هذا النوع من التحكيم - على ما تقدم - منافيا للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لايتولد إلا عن الإرادة الحرة ولا يجوز إجراؤه تسلطا وكرها، بما مؤداه أن اختصاص جهات التحكيم التى أنشأتها النصوص الطعينة بنظر المنازعات التى أدخلتها جبرا فى ولايتها يكون منتحلا ومنعدما وجودا من زاوية دستورية، ومنطويا بالضرورة على إخلال بحق التقاضى بحرمان المتداعين من اللجوء - فى واقعة النزاع الموضوعي الماثل - إلى محاكم القانون العام بوصفها قاضيها الطبيعي بالمخالفة للمادة 68 من الدستور .

وحيث إنه لما كانت المادة 57 من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 هى الأساس التشريعي الذى يقوم عليه قرار وزير المالية رقم 822 لسنة 1985 المشار إليه، وإذ كانت المادة 58 من قانون الجمارك ترتبط ارتباطا لا يقبل التجزئة بالمادة 57 منه، فإن هذه النصوص جميعها تسقط لزوما تبعا للحكم بعدم دستورية المادة 57 المشار إليها، إذ لا يتصور بدونها وجود لتلك النصوص .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولا : بعدم دستورية المادة 57 من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 .
ثانيا : بسقوط المادة 58 من هذا القانون، وكذلك بسقوط قرار وزير المالية رقم 822 لسنة 1985 بشأن نظام التحكيم فى المنازعات بين أصحاب البضائع ومصلحة الجمارك .
ثالثا : بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة •
أمين السر رئيس المحكمة

ليست هناك تعليقات: