الجمعة، 11 يونيو 2010

التحكيم في عقود التجارة الالكترونية ( ألتحكيم الالكترونى)


التحكيم في عقود التجارة الالكترونية
الدكتور عمر فارس
دكتوراه في قانون الأعمال – فرنسا
قسم القانون التجاري - كلية الحقوق – جامعةحلب

مقدمــة
- مفهوم التجارة الالكترونية
يقصد بالتجارة الالكترونية بالمعنى العام ممارسة مختلف الأعمال التجارية من بيع وشراء وغيرها باستخدام وسائل الاتصال الالكترونية، ووسائل الاتصال الالكترونية لا تقتصر على الحواسيب المتصلة بشبكة الانترنت فحسب بل تشمل أيضاً الهواتف الثابتة والمحمولة والفاكسات والتلكسات وغير ذلك. أما التجارة الالكترونية بالمعنى الخاص فيقصد بها المبادلات التي تتم عبرشبكة الانترنت بعد أن أصبحت شبكة دولية ومتاحة لكل شعوب العالم. وهناك عموماً ثلاثةأنواع للتجارة الالكترونية :
أ - تجارة منتجات مادية (Material Products) : وتتم بشراء السلع التي تعرضها الشركات على مواقعها الالكترونية، وبحيث يتم الدفع فيالغالب بواسطة بطاقة اعتماد مصرفية وإرسال السلع التي تمّ شرائها بطرق النقل التقليدية، ومثال ذلك شراء مواد استهلاكية من المواقع الالكترونية للمراكز التجارية (أو المولات).
ب - تجارة منتجات رقمية (Digital Products) : وتكون بشراء منتج اتتسمح طبيعتها بتحويلها إلى شكل رقمي، وهنا تتم عمليتا دفع الثمن وتسليم المبيع الكترونياً، ومثال ذلك شراء البرامج الحاسوبية والأفلام والصور والكتب والمجلات الالكترونية.
ج – تجارة خدمات (Services Trade) : وهذه أيضاً قد يكون محلهاخدمات تقليدية (Traditional Services) كتقديم الاستشارات القانونية أو الطبية أوالهندسية على شبكة الانترنت (On line)، أو خدمات جديدة خاصة (Special Services) وهي التي لا يمكن تقديمها إلا عن طريق الانترنت كخدمات البريد الالكتروني والبحث عن المعلومات والإعلانات الالكترونية.
- مفهوم عقد التجارة الالكترونية
لقد وجدأطراف المعاملات التجارية في شبكة الانترنت وسيلة ميسرة تحقق مزايا لا حصر لها، وإنكانت أهمها على الإطلاق توفير الوقت والجهد والمال في إبرام الصفقات والعقودالتجارية عبر شبكة الانترنت، ويمكن تعريف عقد التجارة الالكتروني بأنه : "ذاك العقدالذي تتلاقى فيه عروض السلع والخدمات بقبول من أشخاص في ذات الدولة أو في دول أخرى من خلال الوسائط الالكترونية المتعددة, لاسيما الانترنت بهدف إتمام التعاقد". ومنهذا التعريف نستنتج بأن العقد الالكتروني يتصف بخصائص عديدة تميزه عن العقد التقليدي، أهمها أنه :
1- يتم إبرامه دون التواجد المادي لأطرافه وباستخدام وسائل اتصال الكترونية.
2- تستخدم فيه وسائل السداد النقدي الالكترونية بدلاً منالنقود التقليدية.
3- يجري تنفيذه غالباً عبر الانترنت وعن طريق التحميل (Download).
4- يتسم غالباً بالطابع الدولي والتجاري والاستهلاكي.

- الحاجة إلى فضّ المنازعات بوسائل الالكترونية

إذا كان حسم منازعات عقود التجارةالتقليدية يتم عادةً عن طريق اللجوء إلى المحاكم الوطنية أو الوسائل البديلة لحل المنازعات (ADR : Alternatives Dispute Resolution) كالتحكيم والوساطة والتوفيق،فإن هذه الوسائل جميعها يمكن استخدامها لحل المنازعات الناشئة عن عقود التجارةالالكترونية. ولكن منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي ومع انتشار استعمال شبكةالانترنت في جميع دول العالم بدأ التفكير جدياً بحلّ المنازعات إلكترونياً، أيباستخدام البريد الإلكتروني (E-mail) أو المواقع الإلكترونية (Sites) أو الاجتماعات السمعية والبصرية (Videoconference)، وذلك نظراً لما تتمتع به هذه الوسائل من مزاياكبيرة من حيث السرعة والاقتصاد في الوقت والنفقات. مع العلم أن هذا الأمر لم يقتصرعلى الوسائل البديلة لحلّ المنازعات بل أُفسح المجال كذلك لإنشاء محاكم الكترونية (Cyber Tribunals).
وبخصوص التحكيم لاشك أن التحكيم التقليدي يُستخدم حالياً على نطاق واسع لحلّ المنازعات التي تنشأ عن العقود التجارية لاسيما تلك التي تجري في ظل التجارة الدولية، والتحكيم بصورته التقليدية يُلبي إلى حد ما متطلبات التجارة الوطنية والدولية من حيث السرعة في فصل المنازعات واحترام طابع السرية وتخفيض النفقات، إلا أن هذا التحكيم يبقى بالنسبة لمعاملات التجارة الالكترونية بطيئاًومكلفاً بالمقارنة مع التحكيم الالكتروني الذي يُعتبر الأكثر ملائمة لعقود التجارةالالكترونية لأنه يستطيع أن يتعايش مع هذه العقود في ذات العالم الافتراضي، فهو يُلغي التعامل بالأوراق ولا يتطلب الحضور الشخصي لأطراف النزاع أو المحكمين.
وفي الحقيقة يتطلب البحث في التحكيم في عقود التجارة الالكترونية التعرض لماهية التحكيم الالكتروني قبل البحث في الآلية التي يتم بها.
المبحث الأول : ماهية التحكيمالالكتروني
يتمتع التحكيم الالكتروني بمزايا كثيرة تجعله مفضلاً عن اللجوء إلىالمحاكم الوطنية وحتى عن التحكيم التجاري التقليدي، ومن أهم هذه المزايا : السرعةالكبيرة في فصل المنازعات والسرية العالية وضآلة النفقات والاستعانة بمحكّمين أكثرحيدة وخبرة. ولكن هذا لا يعني أنه لا يثير بعض المعوقات التي تستلزم توخي الحيطة والحذر حين اللجوء إليه، ولذلك سوف نعرض هنا أهم المزايا التي يحققها التحكيمالالكتروني ونتبعها بالمعوقات التي قد تعترضه، بعد أن نحدد تعريفاً واضحاً له يميزهعن التحكيم التقليدي، ونختم هذا المبحث بالحديث عن الهيئات التي تمارس التحكيمالالكتروني.
أولاً - تعريف التحكيم الكتروني
يمكن تعريف التحكيم الالكترونيعلى أنه أسلوب اتفاقي على إخضاع المنازعة التي نشأت أو ستنشأ مستقبلاً من علاقات تجارية الكترونية أو عادية إلى التحكيم بإجراءات الكترونية. وانطلاقاً من هذاالتعريف يتبين لنا أن التحكيم الالكتروني ما هو إلا تحكيم تقليدي يعتمد على وسائل الاتصال الالكترونية في جميع مراحله، بدءً من إبرام اتفاق التحكيم مروراً بإجراءاتخصومه التحكيم وحتى صدور الحكم التحكيمي.
فالتحكيم الالكتروني يتميز بأنه يتم في عالم افتراضي حيث لا وجود للورق والكتابة التقليدية، كما أنه لا داعي للحضور المادي لأطراف النزاع أو أعضاء هيئة التحكيم في مكان محدد، أضف إلى ذلك حتى حكم التحكيم يصدر بشكل الكتروني ومذيلاً بتوقيع إلكتروني ويرسل إلى الأطراف جاهزاً باستخدام وسائل الاتصال الإلكترونية، لاسيما البريد الالكتروني.
ثانياً - مزايا التحكيمالإلكتروني
1 – السرعة الكبيرة في فصل النزاع : إن أهم ميزة للتحكيم الإلكترونيهي السرعة في فصل النزاع، وهذه الميزة تفوق كثيراً سرعة الفصل في المنازعاتالمعروضة على التحكيم التقليدي والذي يحتاج إلى مدة أطول بكثير مما يتطلبه هذاالتحكيم. والسبب في توفير الوقت يرجع إلى أنه لا يلزم في التحكيم الإلكتروني انتقال أطراف النزاع وحضورهم المادي أمام المحكمين، فحتى سماع المتخاصمين وشهودهم يمكن أن يتم عبر وسائل الاتصال الإلكترونية. كما أن التحكيم الإلكتروني يُمكّن من تبادل المستندات والأدلة فيما بين أطراف خصومة التحكيم في ذات اللحظة عبر البريدالإلكتروني أو أية وسيلة إلكترونية أخرى، وهذا على خلاف الأمر بالنسبة للتحكيم التقليدي الذي يتطلب حضور الأطراف أنفسهم أو وكلاء يمثلوهم.
2 – السرية العاليةلعملية التحكيم : وهي ميزة تتمتع بها جميع أنواع التحكيم ويجب احترامها في كل المراحل التي يمرّ بها التحكيم، فالأصل في أي تحكيم عدم العلانية وذلك حتى لا يؤدي إلى إلحاق الضرر بسمعة الأطراف المحتكمين ونشاطاتهم. والواقع أن السرية التي يكفلهاالتحكيم الإلكتروني تبدو أكثر أهمية في مجال العلاقات التجارية الدولية التي تبرم بطريقة إلكترونية، ذلك أن الاتصالات الالكترونية تنجز بسرعة فائقة ومن ثم فإنانتشار الأخبار التي تنطوي على أسرار تجارية أو صناعية أو مالية أو اقتصادية سيتم فضحها بسرعة غير متوقعة.
3 - ضآلة نفقات التحكيم : يحقق التحكيم الالكتروني خفض كبير في النفقات لأنه لا يستدعي سداد نفقات انتقال وإقامة ولا حتى استقرار المحكمة بمكان محدد، وهذا يجعله أكثر ملائمة للمنازعات التي تفرزها عقود التجارةالإلكترونية والتي تكون في الغالب الأعم ذات قيمة متواضعة. ولاشك أن استخدام نظم الوسائط المتعددة التي تتيح استخدام الوسائل السمعية والبصرية (Video conference) فيعقد جلسات التحكيم على الخط المباشر للأطراف وللخبراء يُساهم أيضاً في تجنب نفقات السفر والانتقال.
4 – تولي التحكيم أشخاصاً أكثر حيدة وخبرة : في الغالب يتم اختيار المحكمين في التحكيم الالكتروني بعيداً عن المعرفة المسبقة بأطراف النزاع،ومن ثم فان المحكمين فيه يتمتعون بقدر أكبر من الحيدة والاستقلالية تجاه الطرفين. ومن جهة أخرى يستلزم حلّ المنازعات التي تنشأ عن إبرام وتنفيذ العقود الإلكترونيةأشخاصاً يتمتعون بخبرات في هذا المجال وهي خبرات لا تتوافر، غالباً، في القاضي أوالمحكّم الوطني.
ثالثاً - معوقات التحكيم الالكتروني
أ – عدم مواكبة النظم الحالية للتطورات التي تحصل في مجال التجارة الالكترونية : فبعض النظم القانونية لمتُشرّع حتى الآن قواعد خاصة بالمعاملات الالكترونية، وبعضها الآخر يعاني من جمودالقواعد القانونية فيما يتعلق بإجراءات التقاضي والتحكيم، وقد لا يعترف أصلاً بصحةإجراء التحكيم بوسائل الكترونية، الأمر الذي يطرح إشكالية حقيقية حول الاعتراف بحكم التحكيم الالكتروني وقابليته للتنفيذ جبراً.
ب – عدم التزام المحكّم بتطبيق القواعد الآمرة المنصوص عنها في القانون الوطني : كثيراً ما يخشى الأطراف – لاسيماالضعفاء منهم – اللجوء إلى التحكيم الالكتروني خاصةّ، لأنه لن يضمن الاستفادة من القواعد الآمرة الحمائية المنصوص عنها في القانون الوطني. فعلى سبيل المثال لو كان أحد أطراف النزاع مستهلكاً وصدر حكم التحكيم الفاصل للنزاع دون مراعاة أحكام قانون المستهلك الوطني لكان هذا الحكم عرضة للبطلان واستحال تنفيذه.
رابعاً : مراكزالتحكيم الالكتروني
لقد تعددت الهيئات التي تمارس التحكيم الالكتروني وتكاد تكونحالياً معظم مراكز التحكيم الدولية تتيح المجال لحلّ نزاعات التجارة الالكترونيةبأسلوب الكتروني، ومن أهم المراكز أو الهيئات التي تتعامل بالتحكيم الالكتروني : غرفة التجارة الدولية (ICC) وجمعية التحكيم الأمريكية (ِAAA) والمنظمة العالميةللملكية الفكرية (WIPO). وقد عمدت جميع هذه المراكز التحكيمية إلى وضع أنظمة خاصةبالتحكيم الالكتروني تسمح بمباشرة التحكيم وإتمام جميع إجراءاته حتى صدور الحكم الفاصل للنزاع بوسائل الكترونية.
وفي الغالب تقضي نظم التحكيم الالكتروني بإنشاءموقع خاص بكل قضية تحكيمية تتم حمايته ومنع الدخول إليه إلا بكلمة سر (Password)،ليتم بعد ذلك تبليغ الأطراف بعنوان هذا الموقع وآلية الدخول إليه. ومن أهم فوائدوجود موقع الكتروني خاص بالنزاع أنه يتم تحميل كافة الطلبات والدفوع والمستندات عليه من قبل الأطراف أنفسهم بدلاً من إرسالها إلى سكرتارية المركز، وبشكل تصبح معه كل وثائق القضية متاحةً للإطلاع عليها من قبل طرفي النزاع وهيئة التحكيم إضافة إلى السكرتارية.
المبحث الثاني : آلية التحكيم الالكتروني
يمكن وصف آلية التحكيم الالكتروني في الواقع بشكل موجز على النحو التالي : بدايةً يتوجب لمباشرة التحكيم الالكتروني وجود اتفاق على تحكيم، ومثل هذا الاتفاق يتم عادةً بشكل الكتروني من خلال تبادل الرسائل بين أطراف العقد الالكتروني وعبر البريد الالكتروني أو بالنقرمباشرةً على زر موجود في موقع البائع، ليُعبر بذلك المشتري على موافقته علىالالتزام بجميع الشروط والبنود التي يتضمنها الموقع. وبمجرد وقوع النزاع يقوم الخصم بإرسال طلب التحكيم الكترونياً إلى خصمه أو إلى مركز التحكيم المتفق عليه، ليتم بعدذلك وبطرق الكترونية أيضاً تعيين المحكّم أو المحكّمين وتبادل الطلبات والدفوع والمستندات. وبعد انتهاء إجراءات التحكيم يُعين يوماً محدداً لإصدار الحكم والتوقيععليه الكترونياً ومن ثم إرساله إلى أطراف النزاع عبر وسائل الكترونية.
وفيالحقيقة لا يتسع المجال هنا لشرح عملية التحكيم الالكتروني بكافة مراحلها وخاصةأنها تشبه إلى حد كبير مراحل التحكيم التقليدي، مع ذلك فإن مباشرة التحكيم بوسائل الكترونية له خصوصيته فيما يتعلق باتفاق التحكيم والتبليغ وتحديد مكان التحكيم وإصدار الحكم وتنفيذه.
أولاً : اتفاق التحكيم الالكتروني
اتفاق التحكيمالالكتروني هو اتجاه إرادة طرفين على اللجوء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو قد تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونيه معينه عقدية أو غيرعقدية عبر وسائل الاتصال الالكترونية، ومن هنا يظهر أن اتفاق التحكيم الالكتروني فيمضمونه لا يختلف عن أي اتفاق تحكيم آخر سوى أنه يتم بشكل الكتروني. هذا ويشترط لصحةاتفاق التحكيم الالكتروني شروط موضوعية تتمثل بشكل رئيسي في أهلية أطراف التحكيم وخلو العقد (أو الاتفاق) من عيوب الإرادة وقابليه النزاع للتسوية عن طريق التحكيم. وهذه الشروط لا تثير أية مشكلة في اتفاق التحكيم الالكتروني بالمقارنة مع شرطالشكلية أو الكتابة الواجب توفره في اتفاق التحكيم.
فمعظم القوانين الوطنية تشترط الكتابة في اتفاق التحكيم ليكون ملزماً لأطرافه، وإن عدم احترام هذا الشرط يؤدي إلى اعتبار اتفاق التحكيم باطلاً، وبالتالي بطلان جميع إجراءات التحكيم التي استندت إليه بما في ذلك حكم التحكيم. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل يستوفي اتفاقالتحكيم الالكتروني شرط الكتابة ؟
نستطيع القول بأنه حالياً كثر عدد الدول التي أصبحت تعترف بالوسائل الالكترونية كوسيلة لإبرام العقود، وقانون التحكيم السوري الجديد لعام 2008 تبنى هذا الاتجاه عندما نص صراحةً في المادة 8 منه : " يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاً، ويكون الاتفاق مكتوباً إذا ورد في عقدأو وثيقة ...، أو في أية رسائل متبادلة عادية كانت أو مرسلة بوسائل الاتصال المكتوب (البريد الإلكتروني، الفاكس، التلكس) إذا كانت تثبت تلاقي إرادة مرسليها على اختيارالتحكيم وسيلة لفض النزاع".
وننوه إلى أنه في مجال التجارة الدولية أصبح هناك اتفاقيات دولية تعترف بشكل كامل بعقود التجارة الالكترونية التي تتم كتابتهابالبريد الالكتروني أو عن طريق تبادل المعلومات وتدوينها على موقع الكتروني، حتىأنها تنص صراحةً على مساواة الكتابة والرسائل الالكترونية بالكتابة العادية وإعطائها نفس الحجية في الإثبات، ومثال ذلك ما جاء في المادة 9/2 من اتفاقية الأمم المتحدة للخطابات الالكترونية في العقود الدولية لعام 2005 : "حيثما يشترط القانون أن يكون الخطاب أو العقد كتابياً، أو ينص على عواقب لعدم وجود الكتابة، يعتبر ذلك الاشتراط قد استوفي بالخطاب الالكتروني إذا كان الوصول إلى المعلومات الواردة فيهم تيسراً على نحو يتيح استخدامها في الرجوع إليها لاحقاً".
ثانياً – إجراءالتبليغ الالكتروني
تلزم قوانين التحكيم عموماً تبليغ المدعى عليه طلب التحكيم،وتعتبر أن إجراءات التحكيم قد بدأت من اليوم الذي يتسلم فيه المدعى عليه طلبالتحكيم من المدعي، كما توجب أيضاً تبليغ الأطراف جميع المواعيد والدفوع والمستندات. ويجري التبليغ عادةً بتسليم الأوراق المراد تبليغها إلى المخاطب شخصياًأو في مقرّ عمله أو في مكان إقامته المعتاد أو في موطنه المختار، فهل يعتبر التبليغ قانونياً إذا تم باستخدام البريد الالكتروني الخاص بالمدعى عليه ؟
لاشك أنه فيحال اتفاق الأطراف على أن يتم التبليغ إلى كليهما بواسطة البريد الالكتروني، فإن سلوك هذه الطريقة في التبليغ يعتبر صحيحاً ومنتجاً لكافة آثاره القانونية. ولكن فيحال عدم الاتفاق على ذلك هل نعتبر عنوان البريد الالكتروني الخاص بكل طرف بمثابةعنوان بريدي يمكن إجراء التبليغ إليه ؟ تنص المادة 8/2 من اتفاقية الأمم المتحد ة للخطابات الالكترونية في العقود الدولية لعام 2005 : "ليس في هذه الاتفاقية ما يلزم أي طرف باستعمال الخطابات الالكترونية أو قبولها، ولكن يجوز الاستدلال على موافقةالطرف على ذلك من سلوك ذلك الطرف". فأحكام هذه الاتفاقية وسائر تشريعات التجارةالالكترونية تسمح بالاستدلال على موافقة الطرف على استخدام الخطابات والرسائلالالكترونية وقبولها من خلال سلوكه، كما لو ضمن الأطراف اتفاق التحكيم عناوين بريدهم الالكتروني فمثل هذا السلوك يُعدّ بمثابة قبول ضمني على استلام الوثائق والتبليغات على هذه العناوين.
والاجتهاد القضائي الدولي يُقرّ بدوره بصحة تبليغالمدعى عليه أوراق الدعوى باستخدام البريد الالكتروني متى اعتاد ذكر عنوان بريده الالكتروني في جميع الأوراق والمراسلات الصادرة عنه، لأنه يعتبر ذلك بمثابة قبول ضمني على استخدام الآخرين لبريده الالكتروني لأجل الاتصال به وتبليغه. وإذا ما زعم المدعى عليه بأنه لم يطلع على بريده الالكتروني ولم يتبلغ أوراق الدعوى، فإن وضع رسالة التبليغ في بريده الالكتروني واستلام رسالة معاكسة تؤكد استلام المرسل إليه للرسالة يجعل التبليغ صحيحاً ومنتجاً لأثاره القانونية، وذلك حتى لو لم يكن هو منفتح بريده الالكتروني.
ثالثاً – مكان التحكيم الالكتروني
عندما يجري التحكيمباستخدام وسائل الاتصال الالكترونية يكون كل طرف من أطراف التحكيم وكذلك كل فرد من أفراد هيئة التحكيم مقيماً في مكان مختلف عن الآخرين، وهذا يثير مشكلة في تحديدالمكان الذي يتم فيه التحكيم، وخاصة إذا علمنا أن الاتفاقيات الدولية وقوانين التحكيم الوطنية تبني الكثير من أحكامها بالاستناد إلى مكان التحكيم. ومثال هذه الأحكام : تمتع التحكيم بالصفة الدولية من عدمه ومكان انعقاد جلسات التحكيم ومكانإخطار الأطراف ومكان إصدار الحكم كبيان إلزامي في حكم التحكيم الخ. وبما أن التحكيمالالكتروني يجري في عالم افتراضي، فهل نعتبر مكان التحكيم مكان تواجد المحكّم أوأغلبية المحكّمين، أم مكان المورد أو المستخدم لخدمات التجارة الالكترونية؟
تسمح قوانين التحكيم عموماً لأطراف النزاع بالاتفاق على تحديد مكان التحكيم،فإذا لم يتفقوا على ذلك كان من حق هيئة التحكيم أن تختار مكان التحكيم الذي تراهأكثر ملائمة لظروف الدعوى والأطراف (المادة 23 قانون تحكيم سوري). وأحياناً يختارالأطراف إجراء التحكيم وفقاً لقواعد مركز تحكيم معين ففي هذه الحالة يتم تحديد مكانالتحكيم وفقاً لهذه القواعد، ولكن ماذا بشان التحكيم الالكتروني ؟
في الحقيقةيندر أن يتم تحكيم الكتروني من غير هيئة تحكيمية تشرف على إجراءاته وتضمن سير هذهالإجراءات حتى صدور حكم التحكيم بشكل صحيح ومطابق للقانون، ولذلك نقول بأن اتفاقالأطراف على أن يتم التحكيم عن طريق مركز تحكيم يُعتبر بمثابة اتفاق على اعتبارمقرّ هذا المركز مكاناً للتحكيم.
رابعاً – حكم التحكيم الالكتروني
تفرضالاتفاقيات الدولية وقوانين التحكيم على المحكمين أن يصدروا حكم التحكيم مكتوباًوموقعاً منهم، فهل يمكن إصدار الحكم الكترونياً، وبحيث يتوافر منه نسخة الكترونيةفقط دون وجود أي نسخة ورقية موقعة من المحكمين بتواقيع حية ؟ وهل يؤثر غياب النسخةالورقية على الاعتراف بالحكم وقابليته للتنفيذ ؟
بحسب ما جاء في المادة 54/ب منقانون التحكيم السوري يجب أن يرفق طلب إكساء حكم التحكيم صيغة التنفيذ أصل الحكم أوصورة مصدقة عنه، وبغير ذلك لن يستطيع المحكوم له تنفيذ الحكم جبراً. ولكن فيالتحكيم الالكتروني يصعب الحصول على نسخة أصلية من حكم التحكيم، إذ لا يوجد أصلاًما يسمى بأصل الحكم وصورة مصدقة عنه. فعندما يتم نسخ الحكم الالكتروني إلى عدة نسخالكترونية تكون كل نسخة منه مطابقة تماماً للنسخ الأخرى.
مع ذلك إذا كان الغرضمن طلب أصل الحكم أو صورة مصدقة عنه لضمان صحته والتأكد من عدم حصول أي تعديل أوتزوير عليه، فإنه من الممكن التحقق من صحة حكم التحكيم الالكتروني والتثبت من عدم تحريفه باستخدام تقنيات الحماية والتشفير أو بالاعتماد على جهة ثالثة موثوق بهاتصادق على تواقيع المحكّمين الالكترونية وتشهد بأن التواقيع تعود للمحكّمين ذاتهم. ولكن بالطبع لن يقبل حكم التحكيم الالكتروني التنفيذ في دولة ما قبل أن تقوم بإصدارقوانين خاصة بالتجارة الالكترونية تعطي الكتابة الالكترونية والتوقيع الالكترونيالقيمة نفسها التي تعطيها للكتابة العادية والتوقيع التقليدي.
ونعتقد بأنه فيضوء أحكام قانون التحكيم السوري الحالي لابد للمحكوم له في التحكيم الالكتروني إذاما أراد تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني، من الحصول على نسخة ورقية من الحكمالالكتروني وتأمين توقيعها من قبل المحكمين بتوقيع تقليدي ليتم إيداعها ديوان محكمةالاستئناف وطلب إكساء الحكم صيغة التنفيذ (المادة 53 وما بعد قانون التحكيمالسوري).
الخاتمـــة
عندما ينشأ نزاع حول عقود التجارة الالكترونية يكون التحكيم الالكتروني الوسيلة الأنجع للخروج بحلّ منهي للنزاع نظراً لأنه يتم بسرعةكبيرة وسرية عالية وبأقل النفقات. وإن إجراء التحكيم باستخدام وسائل الاتصال الالكترونية في ظل الاتفاقيات والتشريعات السائدة حالياً يبقى ممكناً قانوناً، خاصة بعد تواتر إصدار الدول لقوانين حديثة خاصة بالتجارة الدولية.
ولكن يبدو أنالصعوبات التي تعترض التحكيم الالكتروني في سورية هي صعوبات تقنية أكثر منهاقانونية. إذ يتوجب أن نوفر للتحكيم الالكتروني البيئة المناسبة لنضمن انتشارهواقتناع المتخاصمين به، فمن جهة يقع على عاتق مراكز التحكيم السورية المحدثة إقرارقواعد وإجراءات خاصة بالتحكيم الالكتروني على غرار الأنظمة التي تعتمدها أشهر مراكزالتحكيم الدولية، كما يتوجب عليها توفير شبكة حاسوبية على درجة عالية من الحمايةتسمح بتشفير البيانات والمعلومات وتتيح استخدام التواقيع الالكترونية.
ومن جهةأخرى يتوجب على وزارة العدل أن تبدأ بأتمتة القضاء وتحويل الملفات القضائية بجميع أوراقها إلى ملفات الكترونية، وأن تتبنى فكرة المحاكم الكترونية وتأخذ بها على أرض الواقع. فبمجرد تنفيذ ذلك يمكننا الاستفادة من جميع مزايا التحكيم الالكتروني،لأننا بذلك فقط نضمن إجراء جميع مراحل تحكيم باستخدام وسائل الاتصال الالكترونية،بما في ذلك مرحلة تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني.



مسودة
ظهورالانترنت : شهد العالم تطوراً هائلاً في تكنولوجيا الاتصالات وعلى رأسها شبكةالانترنت التي أزالت الحدود بين الدول، ويقصد بشبكة الانترنت شبكة الاتصالات الدولية والتي هي عبارة عن شبكة هائلة من أجهزه الكمبيوتر المتصلة فيما بينها بخطوطاتصال سلكية (أسلاك الهاتف الثابت) أو لاسلكية (عبر الأقمار الصناعية). وقد كانت شبكة الانترنت في بادئ الأمر تستخدم للأغراض البحثية العلمية ثم استخدمها الجيش الأمريكي إلى أن عُمّم استخدامها على جميع دول العالم وأصبحت تعرف بالشبكةالعنكبوتية العالمية ((WWW : World Wide Web.
ومن ثم ظهرت التجارة الالكترونية التي عرفتها منظمه التجارة العالمية ((W T O : World Trade Organization بأنها عبارةعن "عمليه إنتاج وترويج وبيع وتوزيع المنتجات من خلال شبكه اتصال".
التحكيمالالكتروني يشمل كل التعاملات على النت : لقد وجد المتعاملون في مجال التجارةالالكترونية ضالتهم في التحكيم التجاري الالكتروني، والذي لا يقف عند حد تسويه المنازعات التي تنشأ عن عقود التجارة الالكترونية فقط بل يمكن اللجوء إليه لتسويه المنازعات التجارية العادية التي قد تنشأ عن عقود الاستهلاك أو التامين أوالمعاملات المصرفية أو حقوق الملكية الفكرية, وذلك لما يحقق التحكيم الالكتروني منمزايا تتشابه مع التجارة الالكترونية من توفير النفقات والانجاز السريع للتسوية وتوفير الوقت الذي له بالغ التأثير في المعاملات التجارية.
التحكيم الالكتروني والتحكيم التقليدي : في الحقيقة لا يختلف التحكيم الالكتروني عن التحكيم التقليديإلا من حيث الآلية التي تتم بها إجراءات التحكيم، ونعني هنا بشكل خاص شبكةالانترنت. ولهذا يتمتع التحكيم الالكتروني بميزة أساسية هي عدم اضطرار الأطراف إلىالانتقال من بلد لآخر من أجل حضور جلسات التحكيم وتبادل الوثائق والمستندات وسماعالشهود...، حيث يكون بالإمكان فعل كل ذلك بشكل الكتروني عبر شبكة الانترنت التي تؤمن تبادل المراسلات والوثائق بطريقة فورية وآنية، الأمر الذي يكفل الاقتصادالكبير في الوقت والمال.
تعريف التحكيم الالكتروني : لتعريف مصطلح التحكيم الإلكترونية يجب أن ننظر إليه من خلال تقسيم هذا التعبير إلى مقطعين: المقطع الأول : وهو التحكيم - بمعناه التقليدي - ويعنى الاتفاق على طرح النزاع على شخص معين أوأشخاص معينين لتسويته خارج المحكمة المختصة. أما المقطع الثاني : وهو الإلكتروني ويعني الاعتماد على تقنيات تحتوي على ما هو كهربائي أو رقمي أو مغناطيسي أو لاسلكيأو بصري أو كهرومغناطيسي، أو غيرها من الوسائل المشابهة، وهي نوع من التوصيف والتحديد لمجال نوع النشاط المحدد في المقطع الأول ويقصد به إجراء التحكيم باستخدام الوسائط والأساليب والشبكات الإلكترونية، ومنها شبكة الإنترنت. ومن حيث النتيجة يمكن تعريف التحكيم الإلكتروني بأنه : "التحكيم الذي تتم إجراءاته عبر شبكة اتصالات دولية بطريقة سمعية بصرية ودون الحاجة إلى التواجد المادي لأطراف النزاع والمحكمين في مكان معين".
1 – إن اللجوء إلى التحكيم الإلكتروني يجنب أطراف العقد عدم مسايرة القانون والقضاء للعقود الإلكترونية سواءً قانونياً أو قضائياً، فهو يجنبهم مسألة عدم الاعتراف القانوني بهذه العقود أو صعوبة تحديد القانون الواجب التطبيق وتحديد المحكمة المختصة، الخ.
6 - سهولة الحصول على الحكم بسبب تقديم المستندات عبر البريد الإلكتروني، أو من خلال الواجهة الخاصة التي صممت من قبل المحكم أو مركزالتحكيم الإلكتروني لتقديم البيانات والحصول على الأحكام موقعة منالمحكمين.
الرغبة في عرض النزاع على أشخاص ذوي خبرة فنية خاصة ومحل ثقة ، تعنىوتواكب تطور التجارة الإلكترونية ، خاصة في المجال الفني والقانوني لهذه التجارة. فمن المعروف أن ثمة منازعات تحتاج إلي شخص مؤهل يتمتع بخبرة في المجال الذي تتعلقبه هذه المنازعات، والحقيقة أن كل. ويعبر البعض عن هذه الميزة بالكفاية المهنية،حيث غالباً ما يلجأ أطراف النزاع إلى اختيار محكمين على درجة عالية من الكفاءة والتخصص في موضوع النزاع، وهذه الكفاية المهنية تجنب ما يوجه إلى القضاة من عدم التخصص في شتى المنازعات أو اعتمادهم بصفة مطلقة على ما ينتهي إليه الخبير المعين بواسطتهم دون أي مناقشة أو تعديل لرأي الخبير.
مزايا التحكيم الإلكتروني : بخلافمزايا التحكيم بصفة عامة فإن التحكيم الإلكتروني يتميز بما يلي :
1- يُعدّ اللجوء إلى التحكيم الالكتروني أقل تكلفة من اللجوء إلى القضاء الوطني أو حتىالتحكيم التقليدي، ذلك أنه لا يستدعي سداد نفقات الانتقال، فضلا ً عن عدم ضرورةاستقرار المحكمة بمكان محدد.
2- العقود الإلكترونية غالباً ما تكون قليلة القيمةومن ثم فلا يفترض أن تكون نفقات تسوية المنازعات بشأن هذه العقود تفوق قيمة العقدذاته، وهو ما يوفره التحكيم الالكتروني.
3- يساهم التحكيم الالكتروني في حسمالنزاع في مدة قصيرة، الأمر الذي يؤدي إلى خفض النفقات وعدم تكبد طرفي المنازعةأضراراً قد يكون من شأنها وقف العلاقة التجارية فيما بينهم.
4- يتم اختيارالمحكمين في التحكيم الالكتروني في الغالب بعيداً عن المعرفة المسبقة بأطرافالنزاع، ومن ثم فان المحكمين فيه يتمتعون بقدر أكبر من الحيدة والاستقلالية تجاهالطرفين.
عقبات التحكيم الالكترونى
‌أ) يؤدي التحكيم الالكتروني أحياناً إلى استبعاد فكرة تطبيق القوانين المتعلقة بالنظام العام والتي تمسّ بالمصالح الأساسيةالاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأمر الذي يُعقّد من حكم التحكيم الالكتروني، معأن محاولات التفرقة بين النظام العام الدولي والوطني في طريقها إلىالاندثار.
‌ب) تحدّ بعض الدول من اللجوء إلى التحكيم الالكتروني من خلال فرضقوانينها لبعض القيود الشكلية كالاتفاق الكتابي للتحكيم الموقع من الطرفين, وعدمقابلية بعض المنازعات للتسوية عن طريق التحكيم.
‌ج) ضعف الثقة في التحكيم الالكتروني وفي التعاملات الالكترونية عموماً سواء من قبل الطرف الآخر أو من هيئةالتحكيم المحجوبة عنه، فضلاً عن التشكيك في إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الالكترونيالصادر من الهيئة التحكيمية بغير الطريقة الودية.
‌د) إثارة بعض العقباتالإجرائية والموضوعية : كوسائل حق الدفاع لاسيما حق المرافعة الشفوية ومبدأالمواجهة، وفروق التوقيت مع الطرف الآخر، واختلاف مستوى تكنولوجيا الاتصالات فيمابين الدول.
ج – صعوبة تحديد مكان التحكيم والمشاكل التي يثيرها : يتوجب عموماًتحديد مكان التحكيم لأن تعينه يرتب آثاراً قانونية هامة كتمتع التحكيم بالصفةالدولية من عدمه ومكان انعقاد جلسات التحكيم ومكان إخطار الأطراف ومكان إصدار الحكمكبيان إلزامي في حكم التحكيم الخ.
أ – عرض النزاع للتحكيم الالكتروني
فعلى سبيل المثال تقضي قواعد مركز التحكيم الدولي (WIPO) بأنه إذا نشأ نزاع بين طرفياتفاق تحكيم ورغب أحدهما أو كلاهما بعرض النزاع على المركز فيتوجب عليه إتباعإجراءات محددة ملخصها :
- الدخول إلى الموقع الالكتروني للمركز والنقر علىأيقونة (Create a case).
- تعبئة نموذج طلب التحكيم المعدّ مسبقاً من قبلالمركز، يوضح فيه : طبيعة النزاع وظروفه، أسماء ممثليه في نظر النزاع ووسيلةالاتصال بهم (هاتف-فاكس-بريد الكتروني)، عدد المحكّمين على أن يكون فردياً وإلى كانالمحكّم فرداً، قانون أو نظام الإجراءات وإلا يُعدّ راضياً بالإجراءات التي اعتمدهاالمركز ...
- إرفاق طلب التحكيم بنسخة عن اتفاق التحكيم.
- إعداد قائمةبالأدلة والوثائق التي ستند إليها في إدعائه.
- إرسال طلب التحكيم مع مرفقاتهإلى المركز وإلى المحكتم ضده.
- أداء الرسوم الإدارية المحددة وفق جدولالرسوم.
وبحسب قواعد مركز التحكيم الدولي (WIPO) يبدأ سريان مدة التحكيم منتاريخ استلام المركز لطلب التحكيم، وهنا نرى اختلافاً واضحاً في تحديد تاريخ بدءإجراءات التحكيم بين نوعي التحكيم العادي والالكتروني، ففي التحكيم العادي تسري مدةالتحكيم من اليوم الذي يتسلم فيه المدعى عليه طلب التحكيم من المدعي وفقاً لأحكامقانون التحكيم المصري (المادة 27) وبدءً من تاريخ انعقاد أول جلسة لهيئة التحكيمطبقاً لأحكام قانون التحكيم السوري (المادة 37/1)، أما في التحكيم الالكتروني فإناعتماد معظم مراكز التحكيم تاريخ استلام الطلب من المحتكم كميعاد بدء سريان مدةالتحكيم يضمن سرعة البت في النزاعات بشكل قياسي.
وبمجرد تبلّغ المحتكم ضده لطلبالتحكيم يتوجب عليه خلال عشرين يوماً إرسال جواباً إلى المركز يتضمن دفوعهواعتراضاته على الإدعاء وقائمة بالمستندات المؤيدة لدفوعه مع تحديد عدد المحكّمينوتعيين محكّمه أو محكّميه وإلى يتولى المركز عملية الاختيار.
بعد أن يستلمالمركز جواب المحتكم ضده يقوم بتعيين هيئة التحكيم، كما يُحدد وبشكل فوري تاريخصدور حكم التحكيم وذلك خلال ثلاثين يوماً من استلام جواب المحتكم ضده. وأثناءإجراءات التحكيم الالكتروني تعقد جلسات تحكيم سرية وسريعة بحيث لا تتجاوز الفترةبينها ثلاثة أيام، ويمكن خلالها سماع الشهود وإجراء الخبرة الفنية وتبادل الدفوعالمستندات.
وهناك أيضاً نظام التحكيم الالكتروني المعجل (Expedited Arbitration) وفيه يتم فض المنازعات بسرعة أكبر نتيجة لضغط مدد تقديم الطلبات والدفوع والجلساتوإنشاء موقع الكتروني خاص بالنزاع ((Case Site يتاح الدخول إليه للخصوم وهيئةالتحكيم فقط بواسطة كلمة سر (Password)، وعلى أن يتم تبليغ الخصوم بأية وثائق أوإجراءات عبر البريد الالكتروني (E-mail).
أ – بدء إجراءات التحكيمالالكتروني
تبدأ إجراءات المحاكمة أمام هيئة التحكيم في ذات اليوم المعلن عنه مسبقاً للأطراف، وبعد أن يكون المركز قد تسلم جواب وأدلة المحتكم ضده. ويتم السماح لطرفي النزاع بتوكيل ممثلين عنهم بغض النظر عن جنسياتهم أو مؤهلاتهم لتمثيلهم أثناءجلسات التحكيم. هذا ويقبل المركز للإثبات البينة الخطية كما يقبل البينة الشخصية،بحيث يتم سماع الشاهد ومناقشة حول وقائع النزاع إما عن طريق الهاتف أو في جلسة سريةمصورة (Hearing in camera). كما يمكن طلب الخبرة الفنية فإذا ما وافقت عليها هيئةالتحكيم وجب على الخبير الذي تعينه حلف اليمين القانونية وتقديم تقريره خلال مدة معينة من تاريخ توليه المهمة. وفي نهاية المحاكمة يصدر حكم التحكيم الالكتروني مع مراعاة ذات الأحكام المتعلقة بإصدار حكم التحكيم التقليدي، من حيث أنه يصدربالإجماع أو الأغلبية ويُوقع من قبل جميع أعضاء الهيئة ويُذكر فيه جميع البيانات الإلزامية المطلوبة، وبعد ذلك يُرسل الحكم إلى المركز ليتم تسليم نسخة عنه للأطراف.
التحكيم الالكتروني المعجل (Expedited Arbitration) : ونتيجة لطبيعةمنازعات العقود الإلكترونية وما تتطلبه من سرعة، بدأ البحث في بداية عام 1998 عن آلية لتعجيل عملية التحكيم الإلكتروني، وهو ما أدى إلى قيام بعض مراكز التحكيم باللجوء إلى أسلوب التحكيم الالكتروني المعجل. وبحسب نظام التحكيم الالكتروني المعجل يقوم المحتكم بالنقر على مفتاح (Create a case) وملء النموذج الخاص المعد سلفاً من قبل المركز وإرساله له بالبريد الإلكتروني، ثم يقوم المركز بإخطار المحتكم ضده وإعداد صفحة للنزاع على موقع المركز على شبكة الإنترنت ويزود كل طرف بكلمة مرور (Password) ليتمكن من دخول الموقع وعرض النزاع، وفي هذا النظام تتكون هيئة التحكيممن محكم فرد وتنتهي القضية غالباً خلال شهر واحد من بدء الإجراءات.
- القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم
يخضع اختيار القانون الواجب التطبيق علىإجراءات التحكيم لمبدأ سلطان الإرادة، فقد يتفق الأطراف على اختيار القانون الذي سيحكم الإجراءات أو يقرروا ترك هذا الأمر لهيئة التحكيم أو لمركز التحكيم ولائحته. إلا أن الإشكالية تثور في حالة عدم الاتفاق على ذلك، حيث أن بعض النظم القانونية والاتفاقات الدولية تقرر تطبيق قانون مقر التحكيم (المادة 5/د من اتفاقية نيويورك لعام 1958 –)، بينما يمنح بعضها الآخر سلطة تحديد القانون الواجب التطبيق لهيئةالتحكيم (المادة 22/2 من قانون التحكيم السوري لعام 2008 المستقاة من المادة 28/2من قانون الأونسيترال النموذجي المعدل للتحكيم التجاري الدولي لعام 2006). أمابالنسبة للتحكيم الالكتروني فيصعب تطبيق تلك الحلول لغياب المكان المحدد للعمليةالتحكيمية.
- الإجراءات السابقة للتحكيم
1- التقدم لمركز التحكيم بوثيقةالكترونية تتضمن طلب اللجوء إلى التحكيم مبيناً فيه موضوع النزاع.
2- تحديد اسم الممثل في النزاع ووسيلة الاتصال الالكترونية المتاحة لديه.
3- اختيار طريقه إجراءات العملية التحكيمية.
4- تقديم الوثائق والمستندات وأدله الثبوت.
5- سداد الرسوم الإدارية المحددة.
6- إخطار المركز للطرف الآخر بالإجراءات وطلب التحكيم.
7- تحديد موعد المحاكمة للطرفين.
(ب) إجراءات العملية التحكيميةالخاصة بمركز التحكيم :
1- إنشاء موقع الكتروني خاص بالنزاع (Case Site)يسمح بأرقام سرية لأطراف النزاع وهيئة التحكيم فقط بالدخول إليه، وإخطار الأطراف المعنية به وبكيفية الدخول إليه.
2- إخطار أطراف التحكيم بموعد بدء العملية التحكيمية.
(جـ) إجراءات التحكيم :
1- تبادل الأطراف الأدلة والحجج القانونية والمستندات الثابتة لحق كل منهما الكترونياً بإرسال نسخة إلى هيئه التحكيم وأخرىإلى الطرف الثاني.
2- ضمان هيئة التحكيم أن المستندات المتبادلة هي ذات المستندات التي بيديها وبحيازة طرفي التحكيم.
3- إمكانية عقد جلسات المحاكمة أوبعضها عبر الاجتماعات المرئية :
(Tele conference-Video conference)
4- تبادلالمداولات عبر الموقع الالكتروني باستخدام البريد الالكتروني في داخل الموقع المنشأللمنازعة.
5- تقيد حجج وأسانيد الطرف الآخر (الدفاع) والرد عليها مدعما ذلك بالمستندات حتي يتمكن الطرف الآخر من الرد عليها لضمان حق الدفاع.
6- تبادل الطلبات الختامية والرد عليها خلال ثلاثين يوما من تاريخ إخطار كل طرف للآخربطلباته (قواعد الحكيم –الجمعية الأمريكية للتحكيم A.A.A)
7- إصدار المحكم الحكم بدون عقد جلسه إلا إذا طلب الأطراف التقابل أمام المحكم أو بعقد جلسه تليفونيه أومرئية (Kanadian-E-Resolution) وتقرر قواعد الجمعية الأمريكية للتحكيم A.A.A أن علي المحكم بعد أن يكون قد اصدر قراره أن يقوم بإرساله إلي الموقع الذي تم إنشاؤهوإعلانه إلي الأطراف عن طريق البريد الاليكتروني.
(أ) سلطه محكمة التحكيمالالكتروني
-تختص بالفصل في الدفوع المتعلقة بعدم الاختصاص أو بصحة العقد الذي يعد شرط التحكيم أحد بنوده (م16 لائحة المحكمة القضائية).
- تنبيه الخصوم إلى عدم إغفال القواعد القانونية الواجبة التطبيق التي قد ترتب لهم حقوقا أو تفرض عليهم التزاما أو مراعاة مواعيد سقوط الدفع.
- الحق في طلب معلومات أو إيضاحات إضافيةأو أدله لم يسبق تقديمها تكون مؤثره في الفصل في النزاع.
-تحديد مكان صدور حكم التحكيم بموافقة أطرافه وقد حددت المادة (25) من لائحة المحكمة القضائية اعتبار حكم التحكيم قد صدر في مكان التحكيم
(ب)ميعاد صدور الحكم الالكتروني :
يتحددموعد صدور حكم التحكيم باتفاق طرفي التحكيم، فإذا لم يوجد اتفاق حددت المحكمةالموعد وفقاً لقانون التحكيم الواجب التطبيق. وبمجرد إغلاق باب المرافعة تُحددالمحكمة تاريخ صدور الحكم وتُعلم الطرفين به.
(جـ) شروط إصدار الحكم الالكتروني :
1- يجب أن يكون الحكم حاسماً ومنهياً للنزاع وفقاً لأحكام القانونالموضوعي.
2- يصدر حكم التحكيم موقعاً من المحكّم الفرد أو الغالبية.
3- يجبأن يكون الحكم مكتوباً ومسبباً.
4- يجب نشر الحكم على الموقع الالكتروني الخاصبالنزاع وإعلام الأطراف.
(د) إجراءات تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني :
يتقدمالطرف الذي صدر حكم التحكيم الالكتروني لصالحه بطلب تنفيذ الحكم إلى المحكمةالمختصة بدولة التنفيذ حتى يحصل على قرار بإكساء حكم التحكيم صيغة التنفيذ, معالعلم أن بعض الأنظمة قد لا يشترط ذلك. وبعد الحصول على قرار الإكساء والذي يراقببه قاضي التنفيذ الصحة الشكلية لقابليه حكم التحكيم للتنفيذ بالدولة يصدر الحكمالتحكيمي مزيل بالصيغة التنفيذية .
إن شروط تنفيذ حكم التحكيم هي:
- أصل اتفاق التحكيم أو صوره رسمية منه.
- حكم التحكيم.
- ترجمة الحكم إلى اللغةالرسمية لدولة التنفيذ إذا صدر بلغة مختلفة.
- تبليغ الطرف الآخر طلب تنفيذالحكم بالطرق المقبولة قانوناً.
- عدم تعارض حكم التحكيم مع النظام العامالداخلي.
(هـ) الطعن بالبطلان علي حكم التحكيم الاليكتروني :
عددت المادة 5من اتفاقيه نيويورك لعام 1985 بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبيةالأسباب التي تجيز رفض الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه بناءً على طلب الطرف الذي صدرالحكم ضده، وعلى الرغم من وجود حالات حصرية لبطلان حكم التحكيم في غالبية التشريعاتالوطنية إلا أن القضاء الأمريكي يجيز لأطراف التحكيم إضافة أسباب أخرى.
وبخصوصالتحكيم الالكتروني فمن المعروف أنه يتم دون دولة مقرّ، ولذلك فإنه من الصعوبةبمكان تحديد مدى صحة القوانين الإجرائية التي روعيت أثناء إجراءات التحكيم. لاشكأنه يمكن تحديد مكان التحكيم وفقاً لإرادة الأطراف, ولكن في حال عدم الاتفاق فإنالبعض ينادي باعتبار مقرّ التحكيم الدولة التي صدر فيها الحكم، والبعض الآخر يعتمددولة تنفيذ الحكم، بينما رأى فريق ثالث بأن يكون مقر التحكيم الدولة التي يتواجدبها "السرفر" التي تجري بواسطته إجراءات التحكيم.
سرية العملية التحكيمية : يُعدّ الحفاظ على سرية التحكيم أحد الشروط الجوهرية لنجاح عملية التحكيم الالكترونيوزيادة الإقبال عليه. ولاشك أن مراكز التحكيم الالكترونية بذلك جهوداً كبيراًللمحافظة على السرية من خلال حظر الدخول إلى الصفحات المتعلقة بالنزاعات إلا بكلمةسر (Password) وتشفير البيانات المحفوظة والمتبادلة بصورة تمنع قراءتها إلا من قبلالمرسل إليه. ولكن باعتقادنا تبقى هناك دائماً إمكانية الاختراق إلى الصفحات السريةمن قبل المتطفلين (Snoopers) الذين يقتحمون خصوصيات الغير بدافع الفضول وكذلكالمخربين (Crackers) ممن يبحثون عن ضحايا، كما هو الحال بالنسبة لسرقة أرقام بطاقاتالدفع الالكتروني واستغلالها.
خامساً : مراحل التحكيم الالكتروني
يمكننا تلخيص مراحل التحكيم الالكتروني في الواقع العملي بالنقاط التالية :
1 – الاتفاق على التحكيم الكترونياً : ويجري إبرام مثل هذا الاتفاق من خلال تبادل الرسائل بين أطراف العقد الالكتروني وعبر البريد الالكتروني أو بالنقر مباشرةً على زر موجود فيموقع البائع ليُعبر بذلك المشتري على موافقته على التزام بجميع الشروط والبنود التي يتضمنها الموقع.
2 – مباشرة التحكيم الالكتروني وإجراءاته : بمجرد وقوع النزاع يقوم الخصم بإرسال طلب التحكيم الكترونياً إلى خصمه أو إلى مركز التحكيم المتفق عليه، ليتم بعد ذلك وبطرق الكترونية أيضاً تعيين المحكّم أو المحكّمين وتبادل الطلبات والدفوع والمستندات، مع التنويه إلى إمكانية الاستماع إلى أقوال الأطرافوالشهود والخبراء عبر تقنية الفيديو كونفرانس (Videoconference). وبخصوص التحقق منأن الرسائل التي تصل إلى هيئة التحكيم صادرةً فعلاً عن مرسليها أم لا، فهذا أمر سهل إذا ما تمّ الاعتماد على تقنية التوقيع الالكتروني.
3 – صدور حكم التحكيمالالكتروني : بمجرد انتهاء إجراءات التحكيم يُعين يوماً محدداً لإصدار الحكموالتوقيع عليه الكترونياً ومن إرساله إلى أطراف النزاع عبر وسائلالكترونية.
ثانياً - إجراءات التحكيم الالكتروني
نظراً لضرورة تنظيم سيرعملية التحكيم الالكتروني فقد عمد العديد من مراكز التحكيم الدولية إلى وضع قواعدإجرائية خاصة تتناسب مع طبيعة الاتصال والتعامل مع شبكة الانترنت.
ثانياً – سيرإجراءات التحكيم الكترونياً
تمنح قوانين التحكيم الحرية للأطراف في تحديد الإجراءات التي يجب إتباعها في عملية التحكيم، وبناءً على ذلك يمكن للأطراف أن يتفقوا على تتم جميع إجراءات التحكيم أو جزءً منها باستخدام وسائل الاتصالالالكترونية، سواء أكان ذلك باستخدام البريد الالكتروني أو الاجتماعات المرئية والمسموعة (Videoconference). وإذا لم يكن ثمة اتفاق بين الأطراف بهذا الخصوص فيكون من حق هيئة التحكيم أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة (المادة 22 قانونتحكيم سوري)، مع أننا نرى بأنه يتوجب على هيئة التحكيم إذا كان تنظر في نزاع متعلق بعقود التجارة الالكترونية، أن تسير في عملية التحكيم باستخدام وسائل الكترونيةنظراً لأن القانون يفرض عليها أن تفصل في النزاع بأسرع وقت ممكن، وأن تجنب الأطرافأية تأجيلات ونفقات غير ضرورية.



الثلاثاء، 1 يونيو 2010

عدم دستورية البند 3من المادة 58 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 فيما نص عليه من عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم


حكم المحكمة الدستورية العليا القاضى: بعدم دستورية البند 3من المادة 58 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994

القضية رقم 92 لسنة 21 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

باسم الشعب ؛

المحكمة الدستورية العليا ؛

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 6 يناير سنة 2001 الموافق 11 شوال سنة 1421هـ

برئاسة السيد المستشار / محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة .

وعضوية السادة المستشارين / ماهرالبحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى .

وحضور المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس هيئة المفوضين .

وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر .

أصدرت الحكم الآتي فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 92 لسنة 21 قضائية " دستورية "

المقامة من شركة مستشفى مصر الدولي ويمثلها الأستاذ الدكتور / محمود طلعت محمد طلعت
ضد
1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
3 - السيد وزير العدل.
4 - الشركة الهندسية للإنشاءات والتعمير - دره - ويمثلها رئيس مجلس إدارتها .


الإجراءات

بتاريخ الثالث والعشرين من مايو سنة 1999، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبا الحكم بعدم دستورية البند 3 من المادة 58 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 .

وقدمت كل من هيئة قضايا الدولة والمدعى عليها الرابعة مذكرة طلبت فيها أصليا الحكم بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها .

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أنه بموجب عقد مقاولة مؤرخ 28/4/1993 أسندت الشركة المدعية للشركة المدعى عليها الرابعة عملية إنشاء وتنفيذ وصيانة ملحق مستشفى مصر الدولي، وإذ نشب خلاف بينهما حول بعض جوانب تنفيذ هذا العقد فقد تم عرضه على هيئة تحكيم ؛ فأصدرت بجلسة 7/7/1998 حكمها بإلزام الشركة المدعية -المحتكم ضدها فى التحكيم - بأن ترد للشركة المدعى عليها الرابعة مبلغ 404695 جنيهاً وفوائده بواقع 5% من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ السداد، ثم استصدرت الأخيرة أمراً من السيد المستشار رئيس محكمة استئناف القاهرة بتنفيذ هذا الحكم، فتظلمت الشركة المدعية منه بالتظلم رقم 4 لسنة 116 قضائية أمام تلك المحكمة .
وأثناء نظره دفعت بعدم دستورية نص البند 3 من المادة 58 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع وصرحت للشركة بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.

وحيث إن هيئة قضايا الدولة والشركة المدعى عليها الرابعة دفعتا بعدم قبول الدعوى الماثلة بمقولة أن الشركة المدعية ليس لها مصلحة فى إقامتها ؛ إذ تظلمت من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم بعد الميعاد، كما أنها قامت بتنفيذه بالفعل.

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع ، متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول قبول تظلم الشركة المدعية من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، وكان النص المطعون فيه فيما قرره من عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ هذا الحكم، هو الذى يحول دون ذلك، فإن مصلحتها الشخصية المباشرة فى الدعوى تكون قائمة ويكون الدفع بعدم قبولها على غير أساس ؛ حرياً بالرفض . ولا ينال من ذلك ، قيام الشركة المدعية، بتنفيذ الحكم فعلاً، ذلك أن هذه المحكمة عند بحثها لشرط المصلحة فى الدعوى الدستورية، تقتصر على التحقق من أن الحكم الذى يصدر فيها يؤثر على الحكم فى مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة فى الدعوى الموضوعية دون أن يمتد ذلك لبحث شروط قبول تلك الدعوى أو مدى أحقية المدعى فى الدعوى الدستورية فى طلباته أمام محكمة الموضوع والتي تختص هذه الأخيرة وحدها بالفصل فيها.

وحيث إن المادة 56 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية المشار إليه تنص على أن " يختص رئيس المحكمة المشار إليها فى المادة 9 من هذا القانون
أو من يندبه من قضاتها بإصدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين " وتنص المادة 58 على أن " 1 - لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضى . 2 - لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وفقاً لهذا القانون إلا بعد التحقق مما يأتى :
أ - أنه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية فى موضوع النزاع .
ب - أنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام فى جمهورية مصر العربية .
ج - أنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً .

3 - ولا يجوز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم • أما الأمر الصادر برفض التنفيذ فيجوز التظلم منه إلى المحكمة المختصة وفقاً لحكم المادة 9 من هذا القانون خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره " .

وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص الطعين أنه إذ يُخَوّل طالب التنفيذ التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ بينما يُحْرَم المحكوم ضده من التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ ، فإنه يتعارض مع مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون ويخل بحق التقاضى بالمخالفة لأحكام المادتين 40 و 68 من الدستور.

وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق ، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتعتبر تخوما لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، وكان الدستور إذ يعهد إلى أى من السلطتين التشريعية والتنفيذية بتنظيم موضوع معين، فإن القواعد القانونية التى تصدر عن آيتهما فى هذا النطاق، لا يجوز أن تنال من الحقوق التى كفل الدستور أصلها سواء بنقضها أو انتقاصهـا من أطرافها، وإلا كان ذلك عدوانـاً على مجالاتها
الحيوية من خلال إهدارها أو تهميشها.

وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه فى المادة 40 من الدستور والذي رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها وأساساً للعدل والسلام الاجتماعى، غايته صون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة التى لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، فلا يقتصر مجال إعماله على ما كفله الدستور من حقوق ، بل يمتد كذلك إلى تلك التى يقررها القانون •

وحيث إن الدستور بما نص عليه فى المادة 68 من أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي ، قد دل - على ماجرى عليه قضاء هذه المحكمة - على أن هذا الحق فى أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية فى سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعاً عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال حقهم فى النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا فى نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التى تحكم الخصومة القضائية ولا فى مجال التداعى بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغى دوماً أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء فى مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن فى الأحكام التى تصدر فيها .

لما كان ما تقدم ، فإن النص الطعين بمنحه الطرف الذى يتقدم بطلب تنفيذ حكم المحكمين الحق فى التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ ليثبت توافر طلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم على الضوابط الثلاثة التى تطلبها البند 2 من المادة 58 السالف الإشارة إليه، وحرمانه الطرف الآخر فى خصومة التحكيم مكنة التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ لينفى فى المقابل توافر طلب الأمر بالتنفيذ على الضوابط عينها ؛ يكون قد مايز - فى مجال ممارسة حق التقاضى - بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية تقتضيه، بما يمثل إخلالاً بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وعائقاً لحق التقاضى مخالفاً بذلك أحكام المادتين 40 و 68 من الدستور مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية النص الطعين .

ولا يقيل ذلك النص من عثرته التذرع بالطبيعة الخاصة لنظام التحكيم وما يهدف إليه من تيسير الإجراءات وتحقيق السرعة فى حسم الأنزعة ؛ ذلك أنه فضلاً عن أن هذا الاعتبار لا يجوز أن يهدر المبادئ الدستورية السالف الإشارة إليها، فإن الأمر بالتنفيذ الذى يصدره القاضي المختص وفقاً لأحكام قانون التحكيم لا يعد مجرد إجراء مادي بحت يتمثل فى وضع الصيغة التنفيذية على حكم المحكمين، وإنما يتم بعد بحث الاختصاص ثم التأكد من عدم تعارض هذه الحكم مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية فى موضوع النزاع ، وأنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام فى جمهورية مصر العربية ، وأنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً ؛ ومن ثم فإنه وقد أجاز النص الطعين لأحد أطراف الخصومة التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ فقد بات حتما تقرير ذات الحق للطرف الآخر بالتظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ إن تبين له أن هذا الأمر قد صدر دون التحقق من توافره على الضوابط السابق الإشارة إليها .

وحيث إن الحجية المطلقة التى أسبغها قانون هذه المحكمة على أحكامها فى المسائل الدستورية لازمها نزول الدولة بكامل سلطاتها وتنظيماتها عليها لتعمل بوسائلها وأدواتها - من خلال السلطة التشريعية كلما كان ذلك ضروريا - على تطبيقها ؛ وإذ كان القضاء بعدم دستورية النص الطعين، يعنى أن الحظر الذى أورده يناقض الدستور، مما يفيد بالضرورة انفتاح طريق التظلم لمن صدر ضده الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، فإن ذلك يقتضي تدخلاً تشريعياً لتحديد إجراءات وميعاد وشروط هذا التظلم .


فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
بعدم دستورية البند 3من المادة 58 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 فيما نص عليه من عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

أمين السر رئيس المحكمة
_

حكم المحكمة الدستورية العليا القاضى بعدم دستورية المادتين 13 فقرة 4 و17 من قواعد إعداد النظام الداخلي للجمعية التعاونية للبناء والإسكان(عدم جواز فرض التحكيم قصرا)

حكم المحكمة الدستورية العليا القاضى بعدم دستورية المادتين 13 فقرة 4 و17 من قواعد إعداد النظام الداخلي للجمعية التعاونية للبناء والإسكان:

قضية رقم 380 لسنة 23 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

باسم الشعب ؛

المحكمة الدستورية العليا ؛

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 11 مايو سنة 2003 الموافق 11 شوال سنة 1421هـ
برئاسة السيد المستشار الدكتور / محمد فتحي نجيب رئيس المحكمة .
وعضوية السادة المستشارين : عبد الوهاب عبد الرازق حسن والدكتور حنفي على جبالي وإلهام نجيب نوار ومحمد عبد العزيز الشناوى والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيري طه.

وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد ناصر إمام محمد حسن أمين السر .
الإجراءات
بتاريخ الواحد والثلاثين من شهر ديسمبر سنة 2001م أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالباً الحكم بعدم دستورية المادتين 13 فقرة 4 17 من قرار وزير التعمير والدولة للإسكان واستصلاح الأراضي رقم 693 لسنة 1981 بقواعد إعداد النظام الداخلي للجمعية التعاونية للبناء والإسكان، وكذلك المادة 10 من قواعد العمل بالجمعيات التعاونية للبناء والإسكان المرافقة لقرار وزير التعمير والدولة للإسكان واستصلاح الأراضي رقم 46 لسنة 1982 الصادر فى شأن قواعد العمل بالجمعيات التعاونية للبناء والإسكان.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين طلبت فى أولاهما الحكم برفض الدعوى، وطلبت فى الثانية الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم. المحكمة بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل فى أن الجمعية التعاونية للبناء والإسكان للعاملين بشركة بترول خليج السويس قد خصصت للمدعى بصفته عضواً بها الفيلا رقم 177بقرية المرجان بالساحل الشمالي بعد أن تقاضت منه كامل الثمن المستحق ، وعند شروعه فى استلامها تبين له وجود عيوب جسيمة مما دعاه إلى رفض الاستلام ومطالبة الجمعية المذكورة بإصلاح تلك العيوب، إلا أن الجمعية تقاعست عن تلبية مطلبه مما اضطر معه إلى اللجوء إلى هيئة التحكيم بالاتحاد التعاوني الإسكاني المركزي بالتحكيم رقم 54 لسنة 1999 طالباً الحكم بإلزام الجمعية المذكورة بتخصيص فيلا من دورين له من فيلات المرحلة الأولى خالية من العيوب، وتعويضه عن الأضرار التى لحقت به والمبينة عناصرها بالأوراق، وبتاريخ 26/9/2000 قضت هيئة التحكيم برفض الدفع المبدى بعدم اختصاص الهيئة وبرفض الدفع المبدى بعدم قبول التحكيم شكلاً وفى الموضوع برفضه، وإذ لم يرتض المدعى هذا الحكم فقد طعن عليه بالطعن رقم 3 لسنة 118 ق أمام محكمة استئناف القاهرة طالباً الحكم أصلياً ببطلانه واحتياطياً بعدم دستورية نظام التحكيم المعمول به فى الاتحاد التعاوني الإسكاني المركزي والذي صدر الحكم استناداً إليه، وبجلسة 13/11/2001 قررت المحكمة فتح باب المرافعة لجلسة 13/1/2002 ليقيم المدعى دعواه الدستورية خلال الميعاد المقرر بنص المادة (29) فقرة (ب) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، فأقام المدعى دعواه الماثلة.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير اختصاصها ولائياً بنظر دعوى بذاتها، سابق بالضرورة على تثبتها من توافر شروط اتصال الخصومة القضائية بها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها فى قانونها.

وحيث إن الاختصاص المعقود للمحكمة الدستورية العليا وحدها فى مجال الرقابة الدستورية وفقاً لقانونها يتحدد حصراً بالرقابة على دستورية القوانين بمعناها الموضوعي، أي النصوص القانونية التى تتولد عنها مراكز عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التى سنتها السلطة التشريعية أو تلك التى تضمنتها التشريعات الفرعية التى تصدرها السلطة التنفيذية فى حدود صلاحياتها التى ناطها الدستور بها، وأن تنحسر بالتالي عما سواها.

وحيث إن الأصل أن السلطة التنفيذية لا تتولى التشريع، وإنما يقوم اختصاصها أساساً على إعمال القوانين وإحكام تنفيذها، غير أنه استثناء من هذا الأصل وتحقيقاً لتعاون السلطات وتساندها فقد عهد الدستور إليها فى حالات محددة أعمالاً تدخل فى نطاق الأعمال التشريعية ، ومن ذلك إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، فنصت المادة 144 من الدستور على أن " يصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره فى إصدارها، ويجوز أن يعين القانون من يصدر القرارات اللازمة لتنفيذه. ومؤدى هذا النص أن الدستور حدد على سبيل الحصر الجهات التى تختص بإصدار اللوائح التنفيذية فقصرها على رئيس الجمهورية أو من يفوضه فى ذلك أو من يعينه القانون لإصدارها، بحيث يمتنع على من عداهم ممارسة هذا الاختصاص الدستورى ، وإلا وقع عمله اللائحي مخالفاً لنص المادة 144من الدستور، كما أنه متى عهد القانون إلى جهة معينة بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذه، استقل من عينه القانون دون غيره بإصدارها.
وحيث إن القانون رقم 14 لسنة 1981 بإصدار قانون التعاون الإسكاني وفى الإطار الدستورى الذى حددته المادة (144) من الدستور المشار إليها قد نص فى المادة (19) منه على أن " يصدر الوزير المختص بناء على اقتراح الاتحاد وعرض الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان مشفوعاً برأيها القواعد الواجب مراعاتها فى إعداد النظام الداخلي للجمعية التعاونية للبناء والإسكان "؛ وبناء عليه وتنفيذاً لأحكام القانون فقد أصدر وزير التعمير والدولة للإسكان واستصلاح الأراضي القرارين الطعينين، أولهما تحت رقم 693 لسنة 1981 الذى تضمن القواعد الواجب مراعاتها فى إعداد النظام الداخلي للجمعية التعاونية للبناء والإسكان، بينما صدر ثانيهما تحت رقم 46 لسنة 1982 فى شأن قواعد العمل بالجمعيات التعاونية للبناء والإسكان؛ الأمر الذى يضحى معه ذلك العمل اللائحي محل الدعوى الراهنة غير متجاوز للاختصاص الدستورى الذى حددته المادة (144) من الدستور حيث تمثلت أحكامه فى نصوص قانونية تتولد عنها مراكز عامة مجردة صدرت عن السلطة التنفيذية فى حدود صلاحياتها التى ناطها الدستور بها، مندرجة بالتالي تحت مظلة القوانين بمعناها الموضوعي، الأمر الذى ينعقد معه الاختصاص برقابة دستوريتها للمحكمة الدستورية العليا وحدها.

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية مؤثراً فى الفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وإذ جاءت النصوص الطعينة فى حقيقة الأمر بلورة لقاعدة آمرة لا يجوز تجاهلها أو إسقاطها وبها فرض العمل اللائحي التحكيم جبراً على الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان وأعضائها، ليكون هذا النوع من التحكيم ملزماً، ومستمداً لمصدره المباشر من تلك النصوص المطعون عليها، الأمر الذى ينبئ بذاته عن توافر المصلحة المتطلبة فى الدعوى الراهنة، ولا يغير من ذلك وجود مشارطة تحكيم قد تعد فى شأن كل حالة من حالات التحكيم التى تعرض على النظام المطعون فيه، إذ لا يعدو ذلك أن يكون ترديداً وانصياعاً ملتزماً بما جاءت به النصوص الطعينة.

وحيث إنه يبين من مراجعة أحكام قرار وزير التعمير والدولة للإسكان واستصلاح الأراضى رقم 693 لسنة 1981 أول القرارين الوزاريين المطعون على أحكامهما أنه قد نص فى مادته الأولى على أن " يعمل بالقواعد الواجب مراعاتها فى إعداد النظام الداخلى للجمعية التعاونية للبناء والإسكان المرافق لهذا القرار " كما نص فى الفقرة الرابعة من المادة (13) منه المطعون عليها على أن " يقدم طلب التحاق بالجمعية إلى مجلس الإدارة … على أن يتضمن طلب العضوية إقرار مقدمه الاطلاع على هذا النظام وقبوله الالتزام بأحكامه واعتباره متعاقداً مع الجمعية على مقتضاه، كما يتضمن أنه تراضى مع الجمعية على الالتجاء إلى التحكيم فى جميع المنازعات التى قد تنشأ بينه وبينها بسبب عضويته بها وذلك وفقاً لحكم الباب الثالث من قانون المرافعات ولأحكام هذا النظام "، كما نصت المادة (17) من ذات القرار المطعون عليها أيضاً على أن " يكون لعضو الجمعية إذا صدر قرار يمس مصلحته من مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية للجمعية أن يتقدم إلى الجهة المختصة بالمحافظة أو الاتحاد بطلب الالتجاء للتحكيم وذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ علمه بالقرار وإلا اعتبر قابلاً له ويجب أن يتضمن طلب الالتجاء للتحكيم بياناً كافياً عن القرار موضوع النزاع وتاريخ صدوره وتاريخ علمه به وسنده فى الاعتراض عليه، وعلى الجهة التى يقدم لها الطلب استيفاء بيانات وثيقة التحكيم على النموذج الذى يعده الاتحاد والحصول على توقيع الطرفين عليها تمهيداً لاتخاذ إجراءات الفصل فى النزاع وفقاً لما تتضمنه بيانات تلك الوثيقة من أحكام ". كما يبين من الرجوع لأحكام قرار وزير التعمير والدولة للإسكان واستصلاح الأراضى رقم 46 لسنة 1982 الصادر فى شأن قواعد العمل بالجمعيات التعاونية للبناء والإسكان ثانى القرارين الوزاريين المطعون على أحكامهما أنه قد نص فى مادته الأولى على أن " تعتبر قواعد العمل بالجمعيات التعاونية للبناء والإسكان المرافقة جزءاً من القواعد الواجب مراعاتها فى بيانات النظام الداخلي فى هذه الجمعيات "، كما نصت المادة 10 من ذات القرار المطعون عليها على أن " يلتزم عضو الجمعية فى تعامله معها بما يأتى: 1 ……… 2 ………..5 اتباع نظام التحكيم المنصوص عليه فى المادة 17 من النظام الداخلي للجمعية فى شأن أي نزاع يثور بينه وبين مجلس إدارة الجمعية أو جمعيتها العمومية ".

وحيث إن المدعى ينعى على النصوص الطعينة أنها جعلت اللجوء إلى التحكيم إجبارياً على خلاف الأصل فيه من أن التحكيم مكنة اختيارية يمارسها ذوو الشأن باتفاقهم عليه بإرادتهم الحرة فلا يفرض عليهم قسراً، حيث ألزمت تلك النصوص الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان بإدراج أحكامها وأخصها التحكيم الإجباري فى نظمها الداخلية بما يُعد إخلالاً بحق التقاضى المنصوص عليه فى المادة 68 من الدستور.

وحيث إن الأصل فى التحكيم على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يُعين باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم فى ذلك النزاع بقرار قاطع لدابر الخصومة فى جوانبها التى أحالها الطرفان إليه بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلياً من خلال ضمانات التقاضى الرئيسية، ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجبارياً يذعن إليه أحد الطرفين إنفاذاً لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه وفقاً لأحكامه نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما أو المسائل الخلافية التى يمكن أن تَعرِض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التى يباشرها المحكمون عند البت فيها، وهما يستمدان من اتفاقهما على التحكيم التزامهما بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذاً كاملاً وفقاً لفحواه، ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل فى نزاع وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطانهم ولا يتولون مهامهم بإسناد من الدولة، وبهذه المثابة فإن التحكيم يعتبر نظاماً بديلاً عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضاه عزل المحاكم عن نظر المسائل التى انصب عليها استثناء من أصل خضوعها لولايتها.

وحيث إن حاصل ما تقدم أن النصوص الطعينة قد فرضت على الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان وأعضائها نظاماً للتحكيم لا يلتفت إلى إرادتهم ولا يعول على رضائهم، ويخضع ذوى الشأن منه لأحكامه جبراً، مقوضاً بذلك أهم خصائص التحكيم متمثلة فى اتفاق طرفي النزاع بإرادتهما الحرة فى الأنزعة التى يحددانها وفق القواعد التى يرتضيانها، منتزعاً بذلك ولاية القضاء مستبدلاً بها تحكيماً قسرياً لا خيار لذي شأن فى رفض الامتثال له.

وحيث إن الدستور قد كفل لكل مواطن بنص مادته الثامنة والستين حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي مخولاً إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيئاً دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضى غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية، التى يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التى أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التى يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها كان ذلك إخلالاً بالحماية التى كفلها الدستور لهذا الحق وإنكاراً لحقائق العدل فى جوهر ملامحها.

وحيث إن النصوص الطعينة قد فرضت التحكيم قسراً على الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان وأعضائها، وكان هذا النوع من التحكيم على ما تقدم منافياً للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة ولا يجوز إجراؤه تسلطاً وكرهاً، بما مؤداه أن اختصاص نظام التحكيم الذى انعقد بمقتضى النصوص الطعينة بنظر المنازعات التى أدخلتها جبراً فى ولايتها يكون منتحلاً ومنعدماً وجوداً من الناحية الدستورية، ومنطوياً بالضرورة على إخلال بحق التقاضى بحرمان المتداعين من اللجوء إلى محاكم القانون العام بوصفها قاضيها الطبيعي بالمخالفة للمادة 68من الدستور.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:

أولاً: بعدم دستورية المادتين 13 فقرة 4 و17 من قواعد إعداد النظام الداخلي للجمعية التعاونية للبناء والإسكان المرفقة بقرار وزير التعمير والدولة للإسكان واستصلاح الأراضي رقم 693 لسنة 1981، والمادة (10) من قواعد العمل بالجمعيات التعاونية للبناء والإسكان المرفقة بقرار وزير التعمير والدولة للإسكان واستصلاح الأراضي رقم 46 لسنة 1982 فيما تضمنته تلك النصوص من فرض نظام للتحكيم الإجباري على الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان وأعضائها.

ثانياً: بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة
__________________

عدم دستورية العبارة الواردة بالبند (1) من المادة 19 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 .... اجراءات رد المحكم

م


حكم المحكمة الدستورية العليا: بعدم دستورية العبارة الواردة بالبند (1) من المادة 19 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994
قضية رقم 84 لسنة 19 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"


باسم الشعب ؛

المحكمة الدستورية العليا ؛

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 6 نوفمبر سنة 1999 الموافق 28 رجب سنة 1420هـ

برئاسة السيد المستشار / محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة .

وعضوية السادة المستشارين : فاروق عبد الرحيم غنيم و حمدي محمد على وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد على سيف الدين.

وحضور السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / حمدي أنور صابر - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتي فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 84 لسنة 19 قضائية "دستورية".

المقامة من السيدة / آمال عبد الرحمن محمود بصفتها الحارسة القضائية على شركة ستاركو للفنادق والسياحة .
ضد
1- السيد / رئيس الجمهورية.
2- السيد / رئيس مجلس الوزراء.
3- السيد / وزير العدل.
4- الممثل القانوني لشركة أى اتش اس العالمية للخدمات الفندقية المحدودة.
5- السيد / نبيل سيد عبد اللطيف عن نفسـه وبصفته وليا طبيعيـا على أولاده
القصر مروه ومروان ومنة الله .

6- السيد / الممثل القانوني لمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجارى الدولي.

7- السيد / فيليب دى كولون رئيس هيئة التحكيم.

8- السيد الدكتور / أكثم الخولى.
9- السيد الدكتور / كمال أبو المجد.

الإجراءات

بتاريخ السادس من مايو سنة 1997، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالبة الحكم بعدم دستورية نص البند (1) من المادة 19 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

كما قدم المدعى عليه الرابع مذكرة طلب فيها أصليا الحكم بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة ؛

حيث إن الوقائع- على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن شركة ستاركو للفنادق والسياحة التى تمثلها المدعية كانت قد أبرمت اتفاق استثمار مع المدعى عليه الرابع نص فيه على شرط التحكيم فى المنازعات التى تثور بشأن تنفيذه ويتعذر تسويتها وديا، وإذ نشب نزاع بين الطرفين حول تنفيذ ذلك الاتفاق ، فقد تقدم المدعى عليه الرابع بطلب تحكيم إلى مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجارى الدولي قيد برقم 43 لسنة 1993، وأثناء نظره طلبت المدعية رد هيئة التحكيم على سند من أنها قد مالت بإجراءاتها عن حيادها ، إلا أن تلك الهيئة قضت بتاريخ 10/11/1995 برفض طلب الرد تأسيسا على انتفاء أسبابه ، فطعنت المدعية على هذا القضاء بالاستئناف رقم 20932 لسنة 112 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة طالبة إلغاءه والقضاء برد هيئة التحكيم، وأثناء نظر الطعن دفعت بعدم دستورية البند (1) من المادة 19 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 لتخويلها هيئة التحكيم الفصل فى طلب ردها، وبعد أن قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع وصرحت للمدعية برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقامت الدعوى الماثلة.

وحيث إن المدعى عليه الرابع دفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة وذلك من وجهين :

أولهما : أن إبطال النص المطعون فيه لن يحقق للمدعية أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزها القانوني بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها وذلك باعتبار أن دور المحكمة الاستئنافية يقتصر على التحقق من توافر أو عدم توافر أسباب الرد أيا كان القانون الذى تطبقه ، فضلا عن أن من شأن القضاء بعدم الدستورية انعدام السند القانوني للمدعية فى طلب الرد، ونشوء فراغ تشريعي يحول بين محكمة الموضوع ومضيها فى نظر الطعن المقام منها.
ثانيهما : أنه وقد صدر حكم هيئة التحكيم فى النزاع الموضوعي بتاريخ 15/11/1995، وهو حكم نهائي غير قابل للطعن ، فإنه لم يعد ثمة نزاع قائم ومطروح أمام محكمة الموضوع يمكن إنزال قضاء المحكمة الدستورية العليا عليه.

وحيث إن هذا الدفع بوجهيه مردود ، بأن المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية- مناطها ارتباطها عقلا بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية التى تُدعى هذه المحكمة لحسمها، لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وإذ كان النزاع الذى أثير بمناسبته الدفع بعدم دستورية البند (1) من المادة 19 المطعون فيه- والمطروح على محكمة الاستئناف- يدور فى إطار خصومة الرد ويتعلق بضمانة الحيدة التى يقتضيها العمل القضائى للفصل فيها، ويتغيا التوصل إلى حكم يقضى بإلغاء قضاء هيئة التحكيم برفض طلب الرد المقدم من المدعية، وكانت هذه الغاية تتحقق للمدعية- كأثر للحكم بعدم الدستورية- إذا ما أُبطل النص الطعين، فيما يخوله لهيئة التحكيم من ولاية الفصل فى طلب الرد، إذ يغدو حكمها برفض طلب الرد كأن لم يكن ؛ فإن الفصل فى الخصومة الدستورية الماثلة يكون مرتبطا بالخصومة المطروحة على المحكمة الاستئنافية ومؤثرا فيها ، بما يقيم للمدعية مصلحتها فى الطعن الماثل.

وحيث إنه لا يغير مما تقدم، مضى هيئة التحكيم فى نظر النزاع الأصلي وصدور حكمها النهائي فيه ، ذلك أنه من المقرر أن خصومة الرد تثير ادعاء فرعيا عند نظر الخصومة الأصلية مداره أن قاضيها أو بعض قضاتها الذين يتولون الفصل فيها، قد زايلتهم الحيدة التى يقتضيها العمل القضائى، ومن ثم كان لخصومة الرد خطرها ودقتها سواء بالنظر إلى موضوعها أو الآثار التى تنجم عنها، ولا شأن لها بالتالي بنطاق الخصومة الأصلية المرددة بين أطرافها، ولا بالحقوق التى يطلبونها فيها، ولا بإثباتها أو نفيها، بل تستقل تماما عن موضوعها، فلا يكون لها من صلة بما هو مطروح فيها، ولا بشق من جوانبها، ولا بالمسائل المتفرعة عنها أو العارضة عليها، بل تعتصم خصومة الرد بذاتيتها، لتكون لها مقوماتها الخاصة بها، بما مؤداه استقلال خصومة الرد عن الخصومة الأصلية فى موضوعهـا، وإن ظـل للحكم الصادر فى أولاهما أثره
وانعكاسه على ثانيتهما ولو بعد الفصل فيها بحكم نهائي.

وحيث إن المادة 19 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، تنص على أن : " 1- يقدم طلب الرد كتابة إلى هيئة التحكيم مبينا فيه أسباب الرد خلال خمسة عشر يوما من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل هذه الهيئة أو بالظروف المبررة للرد ، فإذا لم يتنح المحكم المطلوب رده فصلت هيئة التحكيم فى الطلب. 2- ولا يقبل الرد ممن سبق له تقديم طلب المحكم نفسه فى ذات التحكيم • 3- لطالب الرد أن يطعن فى الحكم برفض طلبه خلال ثلاثين يوما من تاريخ إعلانه به أمام المحكمة المشار إليها فى المادة (9) من هذا القانون، ويكون حكمها غير قابل للطعن بأى طريق. 4- لا يترتب على تقديم طلب الرد أو على الطعن فى حكم التحكيم الصادر برفضه وقف إجراءات التحكيم • وإذا حكم برد المحكم سواء من هيئة التحكيم أو من المحكمة عند نظر الطعن، ترتب على ذلك اعتبار ما يكون قد تم من إجراءات التحكيم ، بما فى ذلك حكم المحكمين ، كأن لم يكن".

وحيث إن الثابت من الاطلاع على ملف الدعوى الموضوعية، أن تقدير محكمة الموضوع لجدية الدفع بعدم الدستورية المبدي أمامها قد اقتصر على ما ينص عليه عجز البند الأول من المادة 19 المشار إليها من عبارة "فصلت هيئة التحكيم فى الطلب"، وإذ كان نطاق الدعوى الدستورية- على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع وفى الحدود التى تقدر فيها جديته، فإن نطاق الطعن الراهن يتحدد بالعبارة سالفة الذكر.

وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه- محددا نطاقا على ما تقدم- مخالفته لمبادئ الشريعة الإسلامية - بجعله الخصم فى نزاع حكما فيه، وإخلاله بمبدأ المساواة أمام القانون، إذ أهدر ضمانة الحيدة الواجب توافرها فى المحكمين فى حين استلزم الدستور توافرها فى كل من يلى عملاً قضائيا الأمر الذى يشكل تمييزا غير مبرر بإسقاطه ضمانة الحيدة التى يتطلبها كل عمل قضائى عن فئة من المتقاضين بينما هى مكفولة لغيرهم، ومساسه كذلك بحق التقاضى وذلك بالمخالفة للمواد 2 و 40 و 68من الدستور.

وحيث إن الأصل في التحكيم- على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة- هو عرض نزاع معين بين طرفين علي مُحَكَّم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالأة، مجرداً من التحامل، وقاطعا لدابر الخصومة في جوانبها التى أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيليا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريا يذعن إليه أحد الطرفين إنفاذا لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق علي خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعا قائما أو محتملا، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه- وفقا لأحكامه- نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافيه التي يمكن أن تَعْرِض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها. وهما يستمدان من اتفاقهما علي التحكيم، التزامهما بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذاً كاملا وفقا لفحواه، ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل فى نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطانهم، ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة، وبهذه المثابة فإن التحكيم يعتبر نظاما بديلا عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضاه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التى انصب عليها استثناء من أصل خضوعها لولايتها.

وحيث إن المادة 18 من قانون التحكيم المشار إليه قد عنيت ببيان أسباب رد المحكم فنصت فى فقرتها الأولى على أنه "لا يجوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكا جدية حول حيدته آو استقلاله" وكان ذلك توكيدا على أن ضمانة الحيدة فى خصومة رد المحكم هى من ضمانات التقاضى الأساسية التى لا غنى عنها بالنسبة إلى كل عمل قضائى، ليغدو الحق فى رد المحكم قرين الحق فى رد القاضي.

وحيث إن ضمانة الفصل إنصافا فى المنازعات علي اختلافها وفق نص المادة 67 من الدستور، تمتد بالضرورة إلى كل خصومة قضائية، أيا كانت طبيعة موضوعها جنائيا كان أو مدنيا أو تأديبيا إذ أن التحقيق فى هذه الخصومات وحسمها إنما يتعين إسناده إلى جهة قضاء أو هيئة قضائية منحها القانون اختصاص الفصل فيها بعد أن كفل استقلالها وحيدتها وأحاط الحكم الصادر فيها بضمانات التقاضى التى يندرج تحتها حق كل خصم فى عرض دعواه وطرح أدلتها، والرد على ما يعارضها على ضوء فرص يتكافؤ أطرافها، ليكون تشكيلها وقواعد تنظيمها وطبيعة النظم المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها عملا، محدداً للعدالة مفهوما تقدميا يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة .

وحيث إن الحق فى رد قاض بعينه عن نظر نزاع محدد وثيق الصلة بحق التقاضى المنصوص عليه فى المادة 68 من الدستور ذلك أن مؤداه أن لكل خصومة- فى نهاية مطافها- حلا منصفا يمثل الترضية القضائية التى يقتضيها رد العدوان على الحقوق المدعى بها • وتفترض هذه الترضية أن يكون مضمونها موافقا لأحكام الدستور، وهى لا تكون كذلك إذا كان تقريرها عائدا إلى جهة أو هيئة تفتقر إلى استقلالها أو حيدتها أو هما معا، ذلك أن هاتين الضمانتين- وقد فرضهما الدستور على ما تقدم- تعتبران قيدا على السلطة التقديرية التى يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، ومن ثم يلحق البطلان كل تنظيم تشريعي للخصومة القضائية على خلافهما.

وحيث إن ضمان الدستور- بنص مادته التاسعة والستين- لحق الدفاع ، قد تقرر باعتباره أحد الأركان الجوهرية لسيادة القانون، كافلا للخصومة القضائية عدالتها، وبما يصون قيمها، ويندرج تحتها ألا يكون الفصل فيها بعيدا عن أدلتها، أو نابذا الحق فى إجهاضها من خلال مقابلتها بما يهدمها من الأوراق وأقوال الشهود؛ فلا يكون بنيان الخصومة متحيفا حقوق أحد من الخصوم؛ بل مكافئا بين فرصهم فى مجال إثباتها أو نفيها ؛ استظهارا لحقائقها، واتصالا بكل عناصرها.

وحيث إن البين من نص البند (1) من المادة 19- المطعون على عجزه- أنه قضى بأنه إذا لم يتنح المحكم المطلوب رده فصلت هيئة التحكيم فى الطلب، فدلت بذلك على أنها ناطت الفصل فى خصومة رد المحكم، بهذا المحكم نفسه طالما أنه لم يتنح وظل متمسكا بنظر النزاع الأصلي، إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة منه وحده، أما إذا كانت تلك الهيئة مشكلة من أكثر من محكم وكان طلب الرد يتناول بعضهم أو يشملهم جميعا اختصوا بالفصل فى هذا الطلب • وقد كشفت الأعمال التحضيرية لنص البند المطعون عليه، عن أن المشرع قد اعتبر حكمه يظاهر استقلال هيئة التحكيم باعتباره من المبادئ الأصولية التى تقوم علىها الأنظمة المتقدمة فى التحكيم.


وحيث إن استقلال هيئة التحكيم فيما يصدر عنها من أعمال قضائية ليس استقلالا دائرا فى فراغ ، بل يتحدد مضمونه- فى نطاق الطعن الراهن- بمفهوم استقلال السلطة القضائية باعتبارها المنوط بها أصلا مهمة القضاء، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن استقلال السلطة القضائية وحيدتها ضمانتان تنصبان معا على إدارة العدالة بما يكفل فعاليتها، وهما بذلك متلازمتان. وإذا جاز القول- وهو صحيح- بأن الخصومة القضائية لا يستقيم الفصل فيها حقا وعدلا إذا خالطتها عوامل تؤثر فى موضوعية القرار الصادر بشأنها، فقد صار أمرا مقضيا أن تتعادل ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها فى مجال اتصالها بالفصل فى الحقوق انتصافا لتكون لهما معا القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداهما على الأخرى أو تجبها بل تتضاممان تكاملا وتتكافآن قدراً.

وحيث إن من المقرر أن مبدأ خضوع الدولة للقانون- محددا على ضوء مفهوم ديمقراطي- مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق والضمانات التى يعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية، مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية، وكان لا يجوز أن يكون العمل القضائى موطئا لشبهة تداخل تجرده وتثير ظلالا قاتمة حول حيدته، فلا يطمئن إليه متقاضون استرابوا فيه بعد أن صار نائيا عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية، وكان النص الطعين، قد خول هيئة التحكيم الفصل فى طلب ردها لتقول كلمتها فى شأن يتعلق بذاتها وينصب على حيادها، وكان ذلك مما ينافى قيم العدل ومبادئه وينقض مبدأ خضوع الدولة للقانون وينتهك ضمانة الحيدة التى يقتضيها العمل القضائى بالنسبة إلى فريق من المتقاضين، بينما هى مكفولة لغيرهم، فإنه بذلك يكون قد خالف أحكام المواد 40 و 65 و 67 و 68 و 69 من الدستور، ولا ينال من ذلك ما أشارت إليه هيئة قضايا الدولة فى مذكرة دفاعها وردده المدعى عليه الرابع فى مذكرته الواردة- بعد حجز الدعوى للحكم- بتاريخ 21/10/1999 من أن المشرع قد استمد أحكام النص المطعون فيه من القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولي الذى اعتمدته لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي سنة 1985 واتخذته معظم الدول منهاجا وطريقا لحل المنازعات فى مجال التجارة الدولية ذلك أن الرقابة القضائية على دستورية التشريع التى تباشرها هذه المحكمة- على ماجرى به قضاؤها- مناطها تعارض النصوص القانونية المطعون عليها، مع الأحكام التى تضمنها الدستور، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التى تقرها السلطة التشريعية أو تضمنتها التشريعات الفرعية التى تصدرها السلطة التنفيذية فى حدود صلاحيتها التى ناطها الدستور بها، ومن ثم تمتد تلك الرقابة إلى النص المطعون فيه بعد أن أقرته السلطة التشريعية ولو كان قد استعار قواعده أو بعضها من القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولي المشار إليه. كما لا ينال من ذلك أيضاً أن يكون المشرع قد جعل التقاضى فى خصومة رد المحكم على درجتين، ذلك أن الحقوق والضمانات التى كفلتها النصوص الدستورية السالف الإشارة إليها تعتبر حجر الزاوية والركن الركين فى النظام القضائى ومن ثم يقع الإخلال بها فى حمأة المخالفة الدستورية ولو اقتصر على إحدى الدرجتين.

وحيث إن إبطال هذه المحكمة للنص الطعين، يقتضى تدخل السلطة التشريعية لإقرار نص بديل يتلافى العوار الدستورى السابق بيانه، إعمالا للحجية المطلقة التى أسبغها قانون المحكمة الدستورية العليا على أحكامها فى المسائل الدستورية والتى لازمها نزول الدولة بكامل سلطاتها عليها لتعمل بوسائلها وأدواتها- ومن خلال سلطة التشريع أصليا أو فرعيا، كلما كان ذلك ضروريا- على تطبيقها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة :
بعدم دستورية العبارة الواردة بالبند (1) من المادة 19 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، والتي تنص على أن " فصلت هيئة التحكيم فى الطلب "، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
أمين السر رئيس المحكمة

عدم جواز فرض التحكيم قصرا فى قضاء المحكمة الدستورية العليا

.

القضية رقم 104 لسنة 20 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

باسم الشعب ؛

المحكمة الدستورية العليا ؛

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 3 يوليو سنة1999 الموافق 19ربيع الأول سنة 1420 هـ

برئاسة السيد المستشار / محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة .

وعضوية السادة المستشارين / فاروق عبد الرحيم غنيم و حمدي محمد على وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري .

وحضور السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق -- رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / حمدي أنور --- أمين السر

أصدرت الحكم الآتي ؛
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 104 لسنة 20 قضائية " دستورية"

المقامة من السيد / صادق كمال القطب بصفته ممثلا قانونيا لشركة القطب للصناعة والتجارة .
ضد :
1 - السيد / رئيس الجمهورية.
2 - السيد / رئيس مجلس الوزراء.
3 - السيد / رئيس مجلس الشعب.
4 - السيد / وزير المالية.
5 - السيد / رئيس مصلحة الجمارك.
6 - السيد / مدير عام جمارك الإسكندرية والمنطقة الغربية.
7 - السيد / مدير البنك التجارى فرع مصر الجديدة.
8 - السيد / مدير البنك التجارى الدولي فرع مدينة نصر .

الإجراءات
بتاريخ السابع عشر من مايو سنة 1998، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبا الحكم بعدم دستورية المادة الخامسة من قرار وزير المالية رقم 228 لسنة 1985 بشأن نظام التحكيم فى المنازعات بين أصحاب البضائع ومصلحة الجمارك، الصادر تطبيقا للمادة 57 من قانون الجمارك وبسقوط أحكام تلك المادة .

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيا برفضها .

وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .

ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة ؛

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 7963 لسنة 1993 مدني أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية مختصما فيها المدعى عليهما الرابع والخامس ابتغاء الحكم :
أولا : بخضوع خيوط البوليستر المحلولة غير المتضخمة وخيوط النايلون المستمرة المحلولة غير المتضخمة للبند 51 /1 فقرة (ب) من قرار رئيس الجمهورية رقم 305 لسنة 1989 بتعديل التعريفة الجمركية وتحصيل الرسـوم
المقررة طبقا له .
ثانيا : بإلزام جمارك الإسكندرية والمنطقة الغربية برد قيمة 41% المدفوعة على سبيل الأمانة خصما من خطاب الضمان الصادر من البنك التجارى الدولي البالغ قيمته 363194.66 جنيها .

وقال المدعى شرحا لتلك الدعوى أن شركة القطب للصناعة والتجارة التى يمثلها كانت قد استوردت رسائل من تلك الخيوط، وعند تسلمها من ميناء الإسكندرية ثار خلاف بينها وبين مصلحة الجمارك حول الرسوم الجمركية المستحقة عليها، فتمسكت الشركة بإدراجها تحت البند 51/1 فقرة (ب) من التعريفة الجمركية الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 351 لسنة 1986 المعدل بالقرارين رقمي 304 و 305 لسنة 1989؛ بينما ارتأت مصلحة الجمارك إخضاع تلك الرسائل للبند 51/1 فقرة ( أ ) من هذه التعريفة، وحتى تتمكن الشركة من تسلم بضاعتها قامت بسداد الرسوم الجمركية وفق ما انتهى إليه رأى الجمارك • وإذ قُضى فى تلك الدعوى بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها بالتحكيم الجمركي على سند من المادة 57 من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 وقرار وزير المالية رقم 228 لسنة 1985 المنفذ لأحكامها، فقد طعن المدعى فى ذلك الحكم بالاستئناف رقم 9743 لسنة 114 قضائية، وأثناء نظره دفع بعدم دستورية المادة الخامسة من قرار وزير المالية رقم 228 لسنة 1985 بشأن نظام التحكيم فى المنازعات بين أصحاب البضائع ومصلحة الجمارك، وبعد أن قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع ، صرحت للمدعى برفع الدعوى الدستورية ، فأقام الدعوى الماثلة .

وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول هذه الدعوى، تأسيسا على أنها لم تتصل بالمحكمة الدستورية العليا طبقا للأوضاع المقررة قانونا، قولا منها بأن المحكمة التى قدرت جدية الدفع بعدم الدستورية وصرحت برفع الدعوى الدستورية غير مختصة بنظر النزاع الموضوعي بعد أن تم حسمه نهائيا بقرار صدر عن لجنة التحكيم المنصوص عليها فى المادة الخامسة من قرار وزير المالية رقم 228 لسنة 1985 تطبيقا للمادة 57 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 وتأيد ذلك بقضاء المحكمة الابتدائية، وبالتالي فإن الدعوى الدستورية الماثلة تكون غير مرتبطة بطلبات موضوعية قائمة ومطروحة على محكمة الموضوع •

وحيث إن هذا الدفع مردود :
أولاً : بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، من أن لكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها ومقوماتها، ذلك أنهما لا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان فى شرائط قبولهما، بل تستقل كل منهما عن الأخرى فى موضوعها، وكذلك فى مضمون الشروط التى يتطلبها القانون لجواز رفعها . وليس من بين المهام التى ناطها المشرع بالمحكمة الدستورية العليا، الفصل فى شروط اتصال الدعوى الموضوعية بمحكمة الموضوع وفقاً للأوضاع المقررة أمامها . وإنما تنحصر ولايتها فيما يعرض عليها من المسائل الدستورية لتقرير صحة النصوص المطعون عليها أو بطلانها .

ومردود ثانيا : بأن محكمة الاستئناف كانت بصدد إعمال رقابتها على قضاء المحكمة الابتدائية المطعون فيه أمامها، وكان الدفع بعدم الدستورية متعلقا بالنصوص القانونية التى اتخذها هذا القضاء سندا له .

ومردود ثالثا : بأن الشرعية الدستورية التى تقوم المحكمة الدستورية العليا بمراقبة التقيد بها، غايتها ضمان أن تكون النصوص القانونية مطابقة لأحكام الدستور، وتتبوأ هذه الشرعية من البنيان القانوني في الدولة ذراه . وهى كذلك فرع من خضوعها للقانون، بما مؤداه امتناع قيام أى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى بتطبيق نص قانوني يكون لازما للفصل فى ولايتها، أو فى موضوع النزاع المعروض عليها، إذا بدا لها - من وجهة مبدئية - مصادما للدستور، ذلك أن وجود هذه الشبهة لديها، يلزمها أن تستوثق من صحتها، من خلال عرضها على المحكمة الدستورية العليا التى عقد لها الدستور دون غيرها ولاية الفصل فى المسائل الدستورية.

وحيث إن البين من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 أنه عقد للتحكيم فصلا مستقلا ، هو الفصل الرابع من الباب الثالث منه، متضمنا المادتين 57 و 58 إذ تنص أولاهما على أنه : " إذا قام نزاع بين الجمارك وصاحب البضاعة حول نوعها أو منشئها أو قيمتها، أثبت هذا النزاع فى محضر يحال إلى حكمين يعين الجمرك أحدهما ويعين الآخر صاحب البضاعة أو من يمثله، وإذا امتنع ذو الشأن عن تعيين الحكم الذى يختاره خلال ثمانية أيام من تاريخ المحضر اعتبر رأى الجمارك نهائيا • وفى حالة اتفاق الحكمين يكون قرارهما نهائيا • فإذا اختلفا رفع النزاع إلى لجنة مؤلفة من مفوض دائم يعينه وزير الخزانة ومن عضوين أحدهما يمثل الجمارك يختاره المدير العام للجمارك والآخر يمثل غرفة التجارة يختاره رئيس الغرفة، وتصدر اللجنة قرارها بعد أن تستمع إلى الحكمين ومن ترى الاستعانة به من الفنيين • ويكون القرار الصادر من اللجنة واجب التنفيذ ويشتمل على بيان بمن يتحمل نفقات التحكيم • ويحدد وزير الخزانة عدد اللجان ومراكزها ودوائر اختصاصها والإجراءات التى تتبع أمامها والمكافآت التى تصرف لأعضائها ونفقات التحكيم" أما المادة 58 فقد نصت على أنه " لا يجوز التحكيم المشار إليه فى المادة السابقة إلا بالنسبة إلى البضائع التى لاتزال تحت رقابة الجمارك" وإنفاذا لحكم المادة 75المشار إليها صدر قرار وزير المالية رقم 228 لسنة 1985 بشأن نظام التحكيم فى المنازعات بين أصحاب البضائع ومصلحة الجمارك، ناصا فى مادته الخامسة على أن : " تنظر فى المنازعات المشار إليها فى هذا القرار لجان تحكيم تشكل فى المجمعات والقطاعات الجمركية على النحو التالى : أولا : لجان تحكيم ابتدائية : وتشكل لجنة أو أكثر فى كل مجمع جمركى بقرار من رئيس مصلحة الجمارك من حكمين : أحدهما يعينه رئيس مصلحة الجمارك على أن يكون غير موظف الجمرك الذى نشأ معه النزاع • والآخر يختاره صاحب البضاعة أو من يمثله قانونا على أن يُخطَر مدير المجمع باسم هذا المحكم خلال ثمانية أيام من تاريخ المحضر المشار إليه فى المادة الرابعة، وذلك بكتاب موصى عليه أو بإخطار كتابي يسلم بإيصال إلى الجمرك المختص، ويعتبر عدم تعيين المحكم خلال هذه المدة امتناعا من صاحب البضاعة أو من يمثله قانونا عن تعيينه ويعتبر رأى الجمارك نهائيا • ثانيا : لجان تحكيم عالية : يرفع إليها المنازعات فى حالة اختلاف الحكمين فى المنازعات التى تنظرها لجان التحكيم الابتدائية، وتشكل لجنة أو اكثر فى كل قطاع جمركي بقرار من وزير المالية على النحو التالي : - مفوض دائم يعينه وزير المالية لمدة سنة قابلة للتجديد • - عضو يمثل الجمارك ويختاره رئيس مصلحة الجمارك من بين العاملين بالقطاع الجمركى المختص على أن يكون غير موظف الجمرك الذى نشأ معه النزاع أو حكم فى اللجنة الابتدائية• - عضو يمثل غرفة التجارة يختاره رئيس الغرفة التجارية من الشعبة المختصة الذى تقع فى دائرتها اللجنة • وللجنة أن تستعين بمن تراه لازما من الفنيين دون أن يكون لهم رأى معدود فى إصدار القرار".

وحيث إن الرقابة القضائية التى تباشرها هذه المحكمة فى شأن دستورية النصوص القانونية المطعون فيها، لا تحول بينها ورد هذه النصوص إلى الأصول التى أنبتتها كلما آل إبطالها إلى زوال ما تفرع عنها واتصل بها اتصال قرار ؛ إذ كان ذلك ، وكان النص المطعون فيه قد صدر تنفيذا للمادة 57 من قانون الجمارك مستمدا قواعده وأحكامه منها، فإنه يغدو مرتبطا عضويا بهذه المادة، وبالتالي لا يجوز قصر نطاق الدعوى الدستورية الماثلة على النص المطعون عليه فيها وحده، بل يكون نطاقها مشتملا بالضرورة على أصل القاعدة التى تفرع هذا النص عنها متمثلا فى المادة 57 المشار إليها •

وحيث إن المدعى ينعى على النصوص القانونية الطعينة - محددة نطاقا على ماتقدم - أنها جعلت اللجوء إلى التحكيم إجباريا، على خلاف الأصل فيه - وما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا - من أن التحكيم مكنة اختيارية يمارسها ذوو الشأن باتفاقهم عليه بإرادتهم الحرة، فلايفرض عليهم قسرا، وأنها إذ حالت دون خضوع القرارات الصادرة من لجان التحكيم لرقابة القضاء، فإنها تكون قد أخلت بحق التقاضى المنصوص عليه فى المادة 68 من الدستور •

وحيث إن البين من النصوص الطعينة - على ضوء التطور التشريعي الذى مرت به - أن المشرع قد أنشأ بها نظاما للتحكيم الإجباري كوسيلة لإنهاء المنازعات التى تقوم بين أصحاب البضائع ومصلحة الجمارك حول نوع البضاعة أو منشئها أو قيمتها، وذلك بدلا من اللجوء فى شأنها إلى القضاء، مواصلا بذلك سياسة تشريعية سبق أن اختطها وسار عليها زمنا طويلا قبل إقراره لتلك النصوص، فقد كان المرسوم الصادر فى الرابع عشر من فبراير سنة 1930 بوضع تعريفة جديدة للرسوم الجمركية - إنفاذا لحكم المادة الأولى من القانون رقم 2 لسنة 1930 بتعديل التعريفة الجمركية - ينص فى مادته السابعة على أنه " إذا قام نزاع بشأن نوع البضاعة أو صنفها أو مصدرها يحرر الجمرك محضرا يدون فيه تفصيلات الخلاف ويحال بعد ذلك لغرض المعاينة إلى خبيرين يعين أحدهما الجمرك والآخر المقرر عن البضاعة • وإذا امتنع المقرر عن تعيين الخبير الذى ينوب عنه فى خلال ثمانية أيام من تاريخ المحضر يعتبر رأى الجمرك نهائيا • فإذا اتفق الخبيران اعتبرت قراراتهما نهائية أما فى حالة الخلاف فيرفع النزاع إلى قوميسير تعينه الحكومة • يصدر القوميسير قراره بعد سماع الخبيرين وبعد الاطلاع على الملاحظات الكتابية والمستندات التى تقدم له • وللقوميسير إذا رأى ضرورة لذلك أن يأمر بتحليل البضائع التى هى موضوع النزاع وأن يسترشد فى حل الخلاف بآراء الفنيين الأخصائيين فى ذلك من غير أن يرتبط بآرائهم • ولا تكون قرارات القوميسير قابلة لأي طعن • ولا يجوز للمحاكم بأية حال من الأحوال أن تنظر فى المنازعات التى تحدث بين الجمرك وبين المقررين عن البضائع فيما يختص بنوع هذه البضاعة أو صنفها أو مصدرها الأصلي ولا فى القرارات التى تصدر فى هذا الشأن" وبعد ذلك صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 المشار إليه، ودلت مذكرته الإيضاحية على أن اللائحة الجمركية الصادرة فى 12 ابريل 1884 والتشريعات المكملة لها كانت مصدرا تشريعيا للأحكام التى تضمنها قانون الجمارك ؛ وأنه بعد أن كان الخلاف بين الجمارك وأصحاب البضائع حول قيمة البضاعة لا يتناوله النظام القانوني السابق أضحى وفقا للمادة 57 من قانون الجمارك داخلا فى إطارها ؛ وأن التحكيم عملا بحكم المادة 57 المشار إليها قد استُبدل بالقوميسير، وبات يجرى على درجتين •

وحيث إن قضاء هذه المحكمة مضطرد على أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين علي مُحَكَّم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها ، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالأة، مجرداً من التحامل، وقاطعا لدابر الخصومة في جوانبها التى أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية 0 ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريا يُذعن إليه أحد الطرفين إنفاذا لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق علي خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعا قائما أو محتملا، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه وفقا لأحكامه نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافيه التي يمكن أن تَعْرِض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها 0 ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذاً كاملا وفقا لفحواه 0ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل فى نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولايتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة.

وحيث إن نظام التحكيم الإجباري الذى فرضته النصوص الطعينة - ومؤداه خضوع ذوى الشأن لأحكامه قهرا - قوّض أهم خصائص التحكيم ممثلة فى اتفاق طرفي النزاع بإرادتهما الحرة فى الأنزعة التى يحددانها وفق القواعد التى يرتضيانها، وليكون لأي منهما حق التمسك بانعدامه أو ببطلانه أو بسقوطه بحسب الأحوال وطبقا للقانون ، مما أدى إلى عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التى يتناولها منتزعا ولايتها مستبدلاً بها تحكيما قسريا لا خيار لذي الشأن فى رفض الامتثال له، وإلا صار قرار الإدارة الجمركية نهائيا ؛ فإذا نزل على إرادتها وعيّن محكما يمثله فى لجنة التحكيم الابتدائية، آل أمر الفصل فى النزاع عند اختلاف الحَكَمين إلى لجنة التحكيم العالية لتصدر فى غيبته قرارا نهائيا واجب التنفيذ •

وحيث إن الدستور قد كفل لكل مواطن بنص مادته الثامنة والستين حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي مخولا إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلي ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيئا دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضى غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية، التى يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التى أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التى يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها كان ذلك إخلالا بالحماية التى كفلها الدستور لهذا الحق وإنكارا لحقائق العدل فى جوهر ملامحها .

وحيث إن النصوص الطعينة - بالتحديد السالف بيانه - قد فرضت التحكيم قسرا على أصحاب البضاعة، وخلعت قوة تنفيذية على القرارات التى تصدرها لجان التحكيم فى حقهم عند وقوع الخلاف بينهم وبين مصلحة الجمارك حول نوع البضاعة أو منشئها أو قيمتها، وكان هذا النوع من التحكيم - على ما تقدم - منافيا للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لايتولد إلا عن الإرادة الحرة ولا يجوز إجراؤه تسلطا وكرها، بما مؤداه أن اختصاص جهات التحكيم التى أنشأتها النصوص الطعينة بنظر المنازعات التى أدخلتها جبرا فى ولايتها يكون منتحلا ومنعدما وجودا من زاوية دستورية، ومنطويا بالضرورة على إخلال بحق التقاضى بحرمان المتداعين من اللجوء - فى واقعة النزاع الموضوعي الماثل - إلى محاكم القانون العام بوصفها قاضيها الطبيعي بالمخالفة للمادة 68 من الدستور .

وحيث إنه لما كانت المادة 57 من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 هى الأساس التشريعي الذى يقوم عليه قرار وزير المالية رقم 822 لسنة 1985 المشار إليه، وإذ كانت المادة 58 من قانون الجمارك ترتبط ارتباطا لا يقبل التجزئة بالمادة 57 منه، فإن هذه النصوص جميعها تسقط لزوما تبعا للحكم بعدم دستورية المادة 57 المشار إليها، إذ لا يتصور بدونها وجود لتلك النصوص .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولا : بعدم دستورية المادة 57 من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 .
ثانيا : بسقوط المادة 58 من هذا القانون، وكذلك بسقوط قرار وزير المالية رقم 822 لسنة 1985 بشأن نظام التحكيم فى المنازعات بين أصحاب البضائع ومصلحة الجمارك .
ثالثا : بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة •
أمين السر رئيس المحكمة

التنازل الضمنى عن شرط التحكيم فى قضاء المحكمة الدستورية العليا

حكم المحكمة الدستورية العليا الخاص بالتحكيم العمالى
القضية رقم 9 لسنة 1 قضائية - المحكمة الدستورية العليا "تنازع"

باسم الشعب ؛
المحكمة الدستورية العليا ؛
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 5 من ديسمبر سنة 1981 .
برئاسة السيد المستشار / أحمد ممدوح عطية --- رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : فاروق سيف النصر وكمال سلامة عبدالله ود. فتحي عبد الصبور ومحمد على راغب بليغ ومصطفى جميل مرسى وممدوح



وحضور السيد المستشار/ محمد كمال محفوظ
وحضور السيد / أحمد على فضل الله أمين السر

أصدرت الحكم الآتى ؛

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 9 لسنة 1 قضائية "تنازع".
المقامة من....................
"الإجراءات"

بتاريخ 25/5/1978 أودع المدعيان بصفتهما صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الاعتداد بحكم محكمة استئناف القاهرة رقم 456 لسنة 94 ق دون حكم هيئة التحكيم رقم 1363 لسنة 1977.

وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً أبدت فيه الرأي بالاعتداد بالحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة .

حيث التزمت هيئة المفوضين رأيها، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
"المحكمة"
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .

حيث إن الدعوى استوفت أوضاعها الشكلية.

وحيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن اللجنة النقابية للعاملين بشركة حلوان للصناعات غير الحديدية كانت قد أقامت الدعوى رقم 768 لسنة 1976 عمال كلى جنوب القاهرة ضد الشركة طالبة الحكم بعدم جواز استقطاع ضريبتي الدفاع والأمن القومي من مرتبات العاملين بها اعتباراً من 1/7/1971 وحتى انتهاء تكليفهم بالمصانع الحربية ورد ما استقطع من هذه المرتبات.

وبتاريخ 31/1/1977 قضت المحكمة برفض الدعوى فاستأنفت اللجنة النقابية هذا الحكم بتاريخ 10/3/1977 وقيد استئنافها برقم 456 لسنة 94 قضائية القاهرة ، وتقدمت بعد ذلك فى 7/6/1977 بطلب التحكيم رقم 363 لسنة 1977 ضد الشركة ومصلحة الضرائب للحكم لها بذات الطلبات فقضت لها هيئة التحكيم بجلسة 9/11/1977 بطلباتها، ثم قضى بتاريخ 11/2/1978 فى الاستئناف المرفوع من اللجنة النقابية برفضه وتأييد الحكم المستأنف.

وإذ رأت مصلحة الضرائب والشركة أن الحكم الصادر من هيئة التحكيم يتناقض مع حكم محكمة استئناف القاهرة فقد أقاما الدعوى الماثلة بطلب الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة الاستئناف.

وقدمت اللجنة النقابية المدعى عليها مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى تأسيساً على أنه يتعين فى حالة النزاع القائم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين أن يكون الحكمان قابلين للتنفيذ ، ولا يتصور ذلك إذا قضى أحدهما برفض الدعوى، بالإضافة إلى أن الدعويين تختلفان من حيث طبيعة كل منهما وأطرافها إذ أن الدعوى التى نظرت أمام القضاء العادي من الدعاوى الفردية وقد أقامتها النقابة بصفتها نائبة أو وكيلة عن أعضائها، فى حين أن النزاع الذى طرح على التحكيم يعتبر من قبيل المنازعات الجماعية إذ رفعته بصفتها شخصية معنوية مستقلة.

وحيث إن مناط قبول طلب الفصل فى النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- هو أن يكون أحد الحكمين صادراً من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائى والآخر من جهة أخرى منها وأن يكون الحكمان قد حسما النزاع وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معاً.

ولما كان الثابت من الأوراق أن الحكمين موضوع الطلب الماثل قد صدر أحدهما من محكمة استئناف القاهرة والآخر من هيئة التحكيم وفصلا فى دعويين أقامتهما اللجنة النقابية للعاملين بشركة حلوان للصناعات غير الحديدية كشخص اعتباري ينفرد بشخصية مستقلة عن العمال الذين ينتمون إليها ، وكان هذان الحكمان قد حسما النزاع القائم بين أطراف الدعويين وتناقضاً بأن رفض أحد الحكمين طلبات اللجنة النقابية بينما قضى لها الحكم الثاني بذات الطلبات ، وهو ما يتعذر نتيجة له تنفيذ الحكمين معاً لأن تنفيذ أحدهما لا يتأتى الا بإهدار حجية الحكم الآخر، فانه يتعين اطراح ما أثارته اللجنة المدعى عليها فى هذا الشأن. لما كان ذلك وكانت الفقرة الأخيرة من المادة 60 من قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام الصادر بالقانون رقم 60 لسنة 1971 - قبل إلغائها بالقانون رقم 26 لسنة 1981 - قد نصت على أنه "...ويجوز لهيئات التحكيم أن تنظر أيضاً فى المنازعات التى تقع بين شركات القطاع العام وبين الأشخاص الطبيعيين والأشخاص الاعتبارية وطنيين كانوا أو أجانب إذا قبل هؤلاء الأشخاص بعد وقوع النزاع إحالته على التحكيم"، وكانت اللجنة النقابية للعاملين بشركة حلوان للصناعات غير الحديدية قد أقامت دعواها فى أول الأمر أمام القضاء العادي -على ما سلف بيانه- وعزفت عن استعمال الرخصة التى كانت تجيزها لها الفقرة الأخيرة من المادة 60 المشار إليها ، ثم استمرت فى مباشرة دعواها هذه حتى صدر الحكم ابتدائياً برفضها فقامت باستئنافه ، فانه لا يقبل منها من بعد أن تلجأ إلى طريق التحكيم - وهو طريق اختياري نزلت عنه - وأن تجمع بذلك بينه وبين مباشرة دعواها أمام القضاء العادي صاحب الولاية العامة، وبالتالي يكون الحكم الصادر من هيئة التحكيم قد صدر من جهة انتفت ولايتها بالفصل فى هذا النزاع.

لما كان ما تقدم وكانت هذه المحكمة وهى فى مجال الفصل فى النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين متناقضين ، إنما تفاضل بينهما أساساً طبقاً لقواعد الاختصاص بحيث تعتد بالحكم الصادر من الجهة التى لها ولاية الحكم فى الدعوى،فإنه يتعين الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة دون الحكم الصادر من هيئة التحكيم.
لهذه الأسباب
حكمت المحكمة : بالاعتداد بحكم محكمة استئناف القاهرة بتاريخ 11 فبراير سنه 1978 فى الاستئناف رقم 456 لسنة 94 قضائية فيما قضى به من تأييد الحكم المستأنف الصادر فى الدعوى رقم 768 لسنة 1976 عمال كلى جنوب القاهرة برفض دعوى اللجنة النقابية للعاملين بشركة حلوان للصناعات غير الحديدية دون حكم هيئة التحكيم رقم 1363 لسنة 1977 الصادر بجلسة 9 نوفمبر سنة 1977.
أمين السر رئيس المحكمة
__________________

الحكم بعدم دستورية المادة 18 من القانون رقم 48 لسنة 1977بإنشاء بنك فيصل الإسلامي


الحكم بعدم دستورية المادة 18 من القانون رقم 48 لسنة 1977بإنشاء بنك فيصل الإسلامي .
المحكمة الدستورية


بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت 17 ديسمبر 1994 الموافق 14 رجب 1415 هـ .

برئاسة السيد المستشار الدكتور/عوض محمد عوض المر --- رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وعدلي محمود منصور .
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفي علي جبالي رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / رأفت محمد عبد الواحد نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة--أمين السر

أصدرت الحكم الآتي :

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 13 لسنة 15 قضائية "دستورية "

المقامة من السيد / عبد الكريم أحمد سليم .
ضد :
1- السيد / مدير بنك فيصل الإسلامي المصري فرع الإسكندرية.
2- السيد / رئيس مجلس الوزراء .

الإجراءات .

بتاريخ السابع من إبريل سنة 1993 أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالبا الحكم بعدم دستورية المادة 18 من القانون رقم 48 لسنة 1977بإنشاء بنك فيصل الإسلامي .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها أصليا عدم قبول الدعوى واحتياطيا رفضها وقدم المدعي عليه الأول مذكرة بدفاعه ردد فيها ما طلبته هيئة قضايا الدولة وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها 0

ونظرت الدعوى علي الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم 0
المحكمة
بعد الاطلاع علي الأوراق ، والمداولة ؛

حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل فى أن شركة كريم للمقاولات والتجارة والتي يرأس المدعى مجلس إدارتها كانت قد أقامت ضد البنك المدعي عليه ، الدعوى رقم 460 لسنة 1993 مدني كلي الإسكندرية طالبة استرداد أمانة التحكيم التى سبق أن دفعتها للبنك 0

وبجلسة 6 مارس سنة 1993، تدخل المدعى بصفته الشخصية منضما إلي الشركة ، ودفع بعدم دستورية المادة 81 من القانون رقم 84 لسنة 1977 بإنشاء بنك فيصل الإسلامي ، المعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 241 لسنة 1981 فى شأن تسوية الأوضاع بين البنوك العاملة في مصر، فقررت محكمة الموضوع تأجيل نظر الدعوى إلي جلسة 10 أبريل سنة 1993 وذلك ليقدم المدعى ما يفيد الطعن بعدم دستورية المادة المشار إليها ، فأقام دعواه الماثلة 0

وحيث إن قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 1979 ينص فى المادة 30 منه ، علي أنه " يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلي المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقا لحكم المادة السابقة ، بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته ، والنص الدستورى المدعي بمخالفته ، وأوجه المخالفة 0"
وحيث أن المدعي عليه الأول دفع بعدم قبول الدعوى الماثلة بمقولة إغفال صحيفتها بيان أوجه مخالفة النص التشريعي المطعون عليه للدستور ، وإخلالها بالتالي بنص المادة 3 المشار إليها 0

وحيث إن هذا الدفع مردود بأن التعارض بين نصين فى دائرة بذاتها ، قد يكون منبئا - من خلال مقابلتهما ببعض - عن نطاق تصادمهما ، ودالاً بالتالي على مضمون المخالفة الدستورية التى يكفى لتحديدها وفقا لقانون المحكمة الدستورية العليا، أن يكون تعيينها ممكنا0

متى كان ذلك ، وكان المدعي قد نعي على النص المطعون فيه ، مخالفته للمادة 86 من الدستور التي تكفل لكل إنسان حق التقاضي من خلال عرض دعواه على قاضيها الطبيعي ، وكان النص محل الطعن إذ حجب عن هذا القاضي ولاية نظر المسائل محل التحكيم ، وعهد بها قسراً إلى محكمين يتولون الفصل فيها بعد أن أقصاه عنها ، فإنه بذلك يكون محدداً للدائرة التى يناقض فيها حكم المادة 86 من الدستور ، وكاشفا بالتالي عن وجه المخالفة الدستورية التى قيل بإغفال تعيينها 0

وحيث إن كلا من هيئة قضايا الدولة والمدعي عليه الأول ، قد نفيا توافر المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي في الطعن بعدم دستورية نص المادة 81 المشار إليها ، ذلك أن شركة كريم للمقاولات والتجارة تقيم نزاعها الموضوعي علي أن انقضاء التحكيم تبعا لفوات المدة المحددة للفصل في المسائل التي اشتمل عليها ، يخولها الحق في استرداد الأمانة التي كانت قد دفعتها 0 ولا كذلك النص المطعون فيه ، إذ لا يتعلق بالأحوال التى يكون فيها التحكيم منقضيا ، وإنما اختط التحكيم طريقا لفض المنازعات التي قد تثور بين بنك فيصل الإسلامي وعملائه 0 هذا فضلا عن أن المدعي ليس مخاطبا بالنص المطعون فيه ، ولم ينله ضرر خاص من جراء تطبيقه 0
وحيث إن المادة 81 المطعون عليها تنص علي أن << يفصل مجلس الإدارة بأغلبية أعضائه بصفته محكما ارتضاه الطرفان في كل نزاع ينشأ بين أى مساهم في البنك وبين مساهم آخر سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا ، وذلك بشرط أن يكون النزاع ناشئا عن صفته كمساهم في البنك ، ولا يتقيد مجلس الإدارة في هذا الشأن بقواعد قانون المرافعات المدنية والتجارية عدا ما يتعلق منها بالضمانات والمبادئ الأساسية للتقاضى 0 أما إذا كان النزاع بين البنك وبين أحد المستثمرين أو المساهمين أو بين البنك والحكومة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة أو إحدى شركات القطاع العام أو الخاص أو الأفراد ، فتفصل فيه نهائياً هيئة من المحكمين معفاة من قواعد الإجراءات ، عدا ما يتعلق منها بالضمانات والمبادئ الأساسية للتقاضى 0 وفى هذه الحالة تشكل هيئة التحكيم من مٌحكم يختاره كل طرف من طرفي النزاع وذلك خلال ثلاثين يوما من تاريخ استلام أحد طرفي النزاع طلب إحالة المنازعة إلي التحكيم من الطرف الآخر 0 ثم يختار الحكمان حكما مرجحا خلال الخمسة عشر يوما التالية لتعيين آخرهما 0 ويختار الثلاثة أحدهم لرئاسة هيئة التحكيم خلال الأسبوع التالى لاختيار الحكم المرجح 0

ويعتبر اختيار كل طرف لمحكمه ، قبولا لحكم المحكمين واعتباره نهائيا 0 وفى حالة نكول أحد الطرفين عن اختيار مُحَكمّه ، أو في حالة عدم الاتفاق علي اختيار الحكم المرجح أو رئيس هيئة التحكيم في المدد المحددة فى الفقرة السابقة ، يعرض الأمر على هيئة الرقابة الشرعية لتختار الحكم أو الحكم المرجح أو الرئيس حسب الأحوال 0 وتجتمع هيئة التحكيم في مقر البنك الرئيسى ، وتضع نظام الإجراءات التى تتبعها لنظر النزاع وفى إصدار قرارها 0 ويجب أن يتضمن هذا القرار بيان طريقة تنفيذه وتحديد الطرف الذى يتحمل بمصاريف التحكيم ، ويودع قرار هيئة التحكيم الأمانة العامة لمجلس إدارة البنك 0 ويكون حكم التحكيم في جميع الأحوال نهائيا وملزما للطرفين وقابلا للتنفيذ ، شأنه شأن الأحكام النهائية 0 وتوضع عليه الصيغة التنفيذية وفقا للإجراءات المنصوص عليها في باب التحكيم فى قانون المرافعات 0 وفى جميع الأحوال تخضع قرارات مجلس الإدارة ، وأحكام هيئة التحكيم ، الصادرة طبقا لهذه المادة ، لأحكام الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون المرافعات المدنية والتجارية 0

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرا في الفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ، والمطروحة علي محكمة الموضوع 0 ولا يعدو النص المطعون فيه أن يكون مبلوراً لقاعدة آمرة لا يجوز تجاهلها وإسقاطها 0 وبها فرض المشرع وفى الحدود التي بينها التحكيم جبرا على علائق بذواتها ، ليكون هذا النوع من التحكيم ملزما ، ومستنداً فى مصدره المباشر إلي نص القانون ، فلا يستعاض عنه باللجوء إلى القضاء 0 ولا يغير من طبيعته هذه أو يمسخها ، قالة أن بنك فيصل الإسلامي قد درج على أن يبرم مع عملائه عقودا تحيل إلي التحكيم فى شأن المنازعات المتعلقة بتنفيذها ، ذلك أن هذه العقود بفرض قيامها إنما تردد القاعدة الآمره التزاما بنصها وامتثالاً لحكمها ، فلا تجبها تلك العقود أو تُنحيها ، بل يتعين إعمالها دوما ولو خلا عقد منها 0 متى كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمتدخل انضماما إلي أحد الخصوم أن يتمسك بالدفوع وأوجه الدفاع التي كان لهذا الخصم أن يبديها ، وكان النزاع الموضوعي يدور حول حق شركة كريم للمقاولات فى أن تستعيد أمانة التحكيم التى كانت قد دفعتها تأسيسا على ادعائها انقضاء التحكيم بفوات الميعاد المحدد للفصل فى المسائل التى اشتمل عليها، وكان حقها في أن ترد إليها أمانتها هذه ، يقوم كذلك إذا ما أبطل التحكيم بالصورة التى أفرغها المشرع فيه كأثر للحكم بعدم دستوريته ، فإن الفصل فى المسألة الدستورية يكون مؤثرا فى النزاع الموضوعي ، ومرتبطا بأبعاده 0
وحيث إن البين من المادة 81 المشار إليها ، أن فقرتها الأولي تخول مجلس إدارة بنك فيصل الإسلامي وباعتباره محكما الفصل فيما قد يثور بين المساهمين فيه من نزاع ، وبصفتهم هذه 0 وذلك خلافا لفقرتها الثانية التي يدور الطعن حولها لتوسلها بالتحكيم أسلوبا وحيداً لفض ما يثور من نزاع بين البنك وعملائه وذلك سواء أكانوا من المستثمرين أومن الجهات الحكومية أو شركات القطاع العام أو الخاص أو الأفراد 0

متى كان ذلك ، وكان لا شأن للمدعي بالفقرة الأولى من المادة 81 الآنف بيانها ، فإن مصلحته الشخصية والمباشرة، تنحصر فى الطعن بعدم دستورية فقرتها الثانية دون غيرها 0

وحيث إن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين علي مُحَكَّم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها ، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالأة ، مجرداً من التحامل ، وقاطعا لدابر الخصومة في جوانبها التى أحالها الطرفان إليه ، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية 0 ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريا يذعن إليه أحد الطرفين إنفاذا لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق علي خلافها ، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعا قائما أو محتملا ، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق ، إذ يحدد طرفاه وفقا لأحكامه نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما ، أو المسائل الخلافيه التي يمكن أن تَعْرِض لهما ، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها 0 وهما يستمدان من اتفاقهما علي التحكيم ، التزامهما بالنزول على القرار الصادر فيه ، وتنفيذه تنفيذاً كاملا وفقا لفحواه 0 فإذا لم يكن القرار الصادر في نزاع معين بين طرفين ، منهيا للخصومة بينهما ، أو كان عاريا عن القوة الإلزامية ، أو كان إنفاذه رهن وسائل غير قضائية ، فإن هذا
القرار لا يكون عملا تحكيميا 0

وحيث إن التحكيم بذلك يختلف عن أعمال الخبرة ، ذلك أن قوامها ليس قرارا ملزما ، بل مناطها آراء يجوز إطراحهما أو تجزئتها والتعديل فيها 0 كما يخرج التحكيم كذلك عن مهام التوفيق بين وجهات نظر يعارض بعضها البعض ، إذ هو تسوية ودية لا تحوز التوصية الصادرة في شأنها قوة الأمر المقضي ، بل يكون معلقاَ إنفاذها على قبول أطرافها ، فلا تتقيد بها إلا بشرط انضمامها طواعية إليها 0ومن ثم يئول التحكيم إلي وسيلة فنيه لها طبيعة قضائية ، غايتها الفصل في نزاع محدد مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها ، وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم ، ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة 0

وحيث إنه وإن كان قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام الصادر بالقانون رقم 06 لسنة 1791 قد نظم صٌوراً بذاتها كان التحكيم فيها إجباريا ، هى تلك التي تقوم بين الدولة - بتنظيماتها المختلفة - وبين وحداتها الاقتصادية ، إلا أن النزاع بين هذه الجهات لا يثور بين أشخاص اعتبارية تتناقض مصالحها أو تتعارض توجهاتها ، إذ تعمل جميعها باعتبار أن ثمار نشاطها عائدة - فى منتهاها - إلى المرافق العامة التي تقوم الدولة علي تسييرها ، وتكفل انتظامها وتطويرها لضمان وفائها بالأغراض التي ترمى إلي إشباعها 0 ولا كذلك الأمر إذا كان أحد الأشخاص الطبيعيين طرفا فى ذلك النزاع ، إذ لا يجوز أن يدخل في هذا النوع من التحكيم - وعلي ما كان ينص عليه هذا القانون ذاته - إلا بقبوله 0

وحيث إن الطبيعة الرضائية للتحكيم تبلور تطوراً تاريخيا ظل التحكيم علي امتداده عملا إراديا، فقد كان الأصل في التحكيم أن يكون تاليا لنزاع بين طرفين يلجئان إليه إما لأن المحكم محل ثقتهما ، أو لأن السلطة التى يملكها قبلهما كانت توفر لنزاعهما حلا ملائما 0 وكان ينظر إلي المحكم بالتالي باعتباره صديقا موثوقا فيه ، أو رجلا حكيما أو مهيبا 0 بيد أن هذه الصورة التقليدية - ومع احتفاظها بأهميتها حتي يومنا هذا جاوزها التطور الراهن فى العلائق التجارية والصناعية ، لتقوم إلي جانبها صورة مختلفة عنها تستقل بذاتيتها ، ذلك أن التحكيم اليوم - فى صوره الأكثر شيوعا - لا يعود إلي اتفاق بين طرفين قام بينهما نزاع حول موضوع محدد ، ولكنها تتمثل فى شرط بالتحكيم يقبل الطرفان بمقتضاه الركون إليه لمواجهة نزاع محتمل قد يثور بينهما 0 ولم يعد المحكم فى إطار هذا التطور ، مجرد شخص تم اختياره لعلائق يرتبط بها مع الطرفين المتنازعين 0 وإنما غدا التحكيم تنظيما مهنيا تقوم عليه أحيانا جهة تحكيم دائمة تكون أقدر علي تقديم خدماتها إلى رجال الصناعة والتجارة 0 بل إن نطاق المسائل التى يشملها التحكيم بات متباينا ومعقداً ، ولم يعد مقصورا علي تفسير العقود أو الفصل فيما إذا كان تنفيذها متراخيا أو مشوبا بسوء النية أو مخالفا - من أوجه أخري - للقانون ، وغير ذلك من المسائل الخلافية ذات الطبيعة القانونية البحتة ، بل توخى التحكيم إلي جانبها - وعلى نحو متزايد -إنماء التجارة الدولية عن طريق مواجهة نوع من المسائل التي لا يمكن عرضها علي القضاء ، أو التي يكون طرحها عليه غير ملائم ، كتلك التي تتناول في موضوعها ملء فراغ فى عقد غير مكتمل أو تعديل أحكام تضمنها العقد أصلا لتطويعها على ضوء الظروف الجديدة التى لابستها ، وإن ظل الاتفاق دائما وباعتباره تصرفا قانونيا وليد الإرادة ناشئا عنها منبسطا علي أعمال التحكيم ، سواء فى صورتها التقليدية ، أو في أبعادها الجديدة ، ليكون مدخلا إليها وطريقا وحيدا لها 0

وحيث إن من المقرر أنه سواء كان التحكيم مستمدا من اتفاق بين طرفين أبرماه بعد قيام النزاع بينهما ، أم كان ترقبهما لنزاع محتمل قد حملهما علي أن يضمنا عقدا من العقود التى التزما بتنفيذها ، شرطا يخولهما الاعتصام به ، فإن التحكيم لا يستكمل مداه بمجرد الاتفاق عليه 0 وإنما يتعين التمييز فى نطاق التحكيم بين مراحل ثلاث تتصل حلقاتها وتتكامل ، بما مؤداه تضاممها فيما بينها ، وعدم جواز فصلها عن بعضها البعض ،وإلا كان التحكيم مجاوزا إرادة الطرفين المتخاصمين متنكبا مقاصدهما 0 ذلك أن أولي مراحل التحكيم يمثلها الاتفاق عليه ، وهي مدار وجوده ، وبدونها لا ينشأ أصلا ، ولايتصور أن يتم مع تخلفها 0 وليس جائزا بالتالي أن يقوم المشرع بعمل يناقض طبيعتها ، بأن يفرض التحكيم قسراَ علي أشخاص لا يسعون إليه ، ويأبون الدخول فيه 0 وارتكاز التحكيم علي الاتفاق ، مؤداه اتجاه إرادة المحتكمين وانصرافها إلي ولوج هذا الطريق دون سواه ، وامتناع إحلال إرادة المشرع محل هذا الاتفاق 0 فاتفاق التحكيم إذن هو الأصل فيه ، والقاعدة التي يرتكز عليها 0 بيد أن هذا الاتفاق وإن أحاط بالتحكيم فى مرحلته الأولى وكان مهيمنا عليها ، إلا أن دورالإرادة يتضاءل ويرتد متراجعا في مرحلته الوسطي ، وهى مرحلة التداعي التي يدخل بها التحكيم فى عداد الأعمال القضائية ، والتي يبدو عمل المحكمين من خلالها مؤثراً فيها 0 ذلك أن بدايتها تتمثل في تكوين هيئة التحكيم عن طريق اختيار أعضائها ، ثم قبول المحكمين لمهمتهم وأدائهم لها في إطار من الاستقلال والحيدة ، وعلى ضوء القواعد الموضوعية والإجرائية التى يقررونها إذا أغفل الطرفان المتنازعان بيانها ، لتمتد سلطتهم إلي الأمر بالتدابير الوقتية والتحفظية التى يقتضيها النزاع ، وبمراعاة أن جوهر ولايتهم يرتبط بضمان الفرص المتكافئة التي يتمكن الطرفان من خلالها من تعديل طلباتهما ، وعرض أدلتهما الواقعية والقانونية ، وإبداء دفوعهما ، لتصل مهمتهم إلي نهايتها بقرار يصدر عنهم يكون حكماً فاصلا فى الخصومة بتمامها ، ولا يحول دونهم وتفسير ما يكون قد وقع في منطوق هذا القرار من غموض ، أو تصحيح ما يكون عالقا به من الأخطاء المادية البحتة 0
وحيث إن إصدار هيئة التحكيم لقرارها الفاصل فى النزاع علي النحو المتقدم ، وإن كان منهيا لولايتها مانعا لها من العودة إلى نظر الموضوع الذى كان معروضا عليها ، إلا أن الطرفين المتنازعين لا يبلغان ما رميا إليه من التحكيم إلا بتنفيذ القرار الصادر فيه 0 وتلك مهمة لا شأن لإرادة هذين الطرفين بها ، بل تتولاها أصلا الدولة التي يقع التنفيذ في إقليمها 0إذ تقوم محاكمها بفرض نوع من الرقابة علي ذلك القرار ، غايتها بوجه خاص ضمان أن يكون غير مناقض للنظام العام فى بلدها ، صادراً وفق اتفاق تحكيم لا مطعن علي صحته ونفاذه ، وبالتطبيق للقواعد التى تضمنها، وفي حدود المسائل الخلافية التي اشتمل عليها 0 وتلك هي المرحلة الثالثة للتحكيم التى تتمثل في اجتناء الفائدة المقصودة منه ، والتي يتعلق بها الهدف من التحكيم ويدور حولها ، وبدونها يكون عبثا 0

وحيث إن الشريعة العامة للتحكيم في المواد المدنية والتجارية المعمول بها فى جمهورية مصر العربية وفقا لأحكام قانون التحكيم في المواد ا لمدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 1994 ، والتي يفصح عنها كذلك ما جاء بمضبطة الجلسة الحادية والخمسين لمجلس الشعب المعقودة في 02 من يناير 1994 إبان دور الانعقاد العادي الرابع للفصل التشريعي السادس قوامها أن التحكيم فى المسائل التي يجوز فيها الصلح وليد الاتفاق ، سواء أكان تحكيما داخليا ، أم دوليا ، مدنيا ، أم تجاريا ، وأن المحتكمين يجوز أن يكونوا من أشخاص القانون الخاص أو العام 0 كذلك يؤكد هذا القانون ، أن التراضى على التحكيم والقبول به ، هو المدخل إليه ، وذلك من جهتين : أولاهما ما تفيده المادة 22 من هذا القانون ضمنا من انتفاء ولاية هيئة التحكيم وامتناع مضيها فى النزاع المعروض عليها ، إذ ا قام الدليل أمامها على انعدام أو سقوط أوبطلان اتفاق التحكيم ، أو مجاوزة الموضوع محل بحثها لنطاق المسائل التي اشتمل عليها 0 ثانيهما ما تنص عليه المادتان 4 ، 01 من هذا القانون ، من أن التحكيم فى تطبيق أحكامه ينصرف إلي التحكيم الذى يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة وذلك سواء كانت الجهة التي اتفق الطرفان علي توليتها إجراءات التحكيم ، منظمة أو مركزا دائما أولم تكن كذلك ، وسواء كان اتفاق التحكيم سابقا علي قيام النزاع أم لاحقا لوجوده ، وسواء كان هذا الاتفاق قائما بذاته ، أم ورد فى عقد معين 0 ويعتبر اتفاقا على التحكيم كل إحالة ترد فى العقد إلي وثيقة تتضمن شرط تحكيم إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءاً من العقد 0 بل إن المادة 22 من هذا القانون صريحة فى نصها على أن شرط التحكيم يعتبر اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى ، وأن بطلان العقد الذى أدمج هذا الشرط فيه ، أو زوال هذا العقد بالفسخ أو الإنهاء ، ليس بذى أثر علي شرط التحكيم الذى يتضمنه ، إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته 0

وحيث إن الأحكام التي أتي بها قانون التحكيم سالف البيان ، لاينافيها التنظيم المقارن ، بل يظاهرها ويقوم إلى جوارها ولاسيما بالنسبة إلى ما كان من صوره دوليا ، ومرجعها بوجه خاص إلى القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذى اعتمدته لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي في 12 يونيو 1985 فقد نص هذا القانون على أن المنازعات الناشئة عن علاقة قانونية محددة بين طرفين ، أو التي يمكن أن تتولد عنها ، يجوز بناء على اتفاق إحالتها إلى محكمين سواء أكان اتفاق التحكيم فى صورة شرط تحكيم وارد فى عقد أم فى شكل اتفاق منفصل 0 وتعتبر الإحالة فى عقد ما إلى وثيقة تشتمل علي شرط تحكيم ، بمثابة اتفاق تحكيم إذا كان هذا العقد مكتوبا ، وكانت الإحالة كاشفة بدلالتها عن أن هذا الشرط جزء من العقد 0 وانبثاق التحكيم عن الاتفاق باعتباره مصدر وجوده ، هو القاعدة التي تبنتها الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجارى الدولي (12 أبريل 1961) وذلك فيما نصت عليه من سريان أحكامها فى شأن كل اتفاق يتغيا تسوية نزاع قائم أو محتمل يرتبط بالتجارة الدولية ، ويكون مبرما بين أشخاص طبيعيين أو اعتباريين يقيمون علي وجه الاعتياد وقت هذا الاتفاق بإحدى الدول المتعاقدة أو تتخذ مقرا لها فيها 0 ويقصد باتفاق التحكيم فى تطبيق أحكام هذه الاتفاقية كل شرط بالتحكيم يكون مدرجاَ فى عقد ، وكذلك كل اتفاق قائم بذاته يلجأ الطرفان بمقتضاه إلى التحكيم ، على أن يكون كلاهما موقعا عليه منهما أو متضمنا فى رسائلها أو برقياتهما أو غير ذلك من وسائل الاتصال بينهما 0 وهذه القاعدة ذاتها هي التي رددتها اتفاقية نيويورك (10 يونيو 1958 ) التي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي فى شأن تقيد الدول كل فى نطاق إقليمها وفي مجال اعترافها بقرارات المحكمين وتنفيذها بالاتفاق الكتابي الذى يتعهد الأطراف فيه بعرض نزاعاتهم ما كان منها قائما أو محتملا على التحكيم ، وذلك كلما كان موضوعها مما يحوز التحكيم فيه ، وبشرط نشوئها عن علاقة قانونية محددة ، ولولم يكن العقد مصدراً لها 0 وأصداء هذه القاعدة تعكسها كذلك ، الاتفاقية المبرمة فيما بين الدول الأعضاء في منظمة الدول الأمريكية ( 03 يناير 1975 ) بإعلانها صحة كل اتفاق يتعهد بمقتضاه طرفان أو أكثر بعرض نزاعاتهم الحالية أو ما يظهر مستقبلا منها على محكمين ، يعينون بالكيفية التى يبينها أطراف النزاع ، ما لم يفوضوا فى ذلك طرفا ثالثا 0 كذلك تلتزم بالأحكام السالف بيانها ، الاتفاقية المبرمة فى شأن تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى 0( 71 مارس 5691)La convention pour le reglement des differends relatifs aux investissement entre Etats et ressortissants d autres Etats

وحيث إن القوانين الوطنية في عدد من الدول ، تقرر كذلك أن الاتفاق مصدر للتحكيم 0 فقد عقد قانون المرافعات المدنية الفرنسي عدة فصول ضمنها كتابه الرابع منظما بها شرط التحكيم واتفاق التحكيم ، ومحددا القواعد التى تجمعهما ، ومقرراً بموجبها أن شرط التحكيم هو كل اتفاق يتعهد بمقتضاه الأطراف في عقد بعرض نزاعاتهم التي يمكن أن تتولد عنه ، علي التحكيم 0 ويجب أن يكون هذا الشرط مدونا في العقد الأصلي ، أو في وثيقة يحيل هذا الشرط إليها ، وإلا كان باطلا 0 ويبطل هذا الشرط كذلك إذا خلا من بيان أشخاص المحكمين أو أغفل تعيينهم بأوصافهم 0 ويعني بطلان شرط التحكيم أن يعتبر كما لو كان غير مدون 0 ويجوز باتفاق مستقل ، أن يحيل طرفان نزاعا قائما بينهما إلي محكم أو أكثر للفصل فيه ، ولو كان عين النزاع منظورا بالفعل أمام جهة قضاء 0وكلما كان الفصل في النزاع موكولا إلي محكمين وفقا لاتفاق تحكيم ، فإن عرضه علي جهة قضاء ،يلزمها أن تقرر عدم اختصاصها بنظره 0ويكون الأمر كذلك ولو كان هذا النزاع لايزال غير معروض علي المحكمين ، ما لم يكن اتفاق التحكيم ظاهرالبطلان0 وإذا عارض أحد الطرفين المتنازعين في أصل الولاية التي يباشرها المحكم أو في مداها ، كأن لهذا المحكم أن يفصل في صحة إسنادها إليه ، وكذلك في نطاقها 0 كذلك عدل القانون رقم 95 لسنة 3991الصادر فى رومانيا بعد زوال التأثير الشيوعي من تنظيماتها القانونية أحكام الباب السابع من قانون الإجراءات المدنية والتجارية ، متبنيا نظاما للتحكيم يخول الأشخاص الذين يملكون مباشرة كامل حقوقهم ، حرية الدخول فيه لتسوية نزاعاتهم المتعلقة بحقوقهم المالية باستثناء تلك المسائل التى لايجوز التعامل فيها ، ومقررا كذلك أن التحكيم لايتم إلا بمقتضى اتفاق يدون كتابة ، وأن هذا الاتفاق إما ان يكون تفاهما قائما بذاته بين طرفين لمواجهة نزاع شجر بينهما بالفعل Compromise وإما أن يكون متخذا شكل شرط بالتحكيم Compromissory Clause مندمجا فى عقد نافذ بين الطرفين المتنازعين ، ويستقل فى صحته عن العقد الذى يتضمنه ، على أن يتناول هذا الشرط تخويل المحكمين فض ما قد يثور بينهما مستقبلاً من نزاع يكون ناشئا عن ذلك العقد أو مرتبطا به 0 ويعتبر اتفاق التحكيم مانعا من مباشرة جهة القضاء لاختصاصها بنظر المسائل التى أحالها ذلك الاتفاق إلى التحكيم 0 ويكون لأعضاء هيئة التحكيم السلطة الكاملة التى يحددون من خلالها ما يدخل فى اختصاصهم من المسائل ، وذلك بقرار لا يجوز الطعن فيه إلا وفق الأحكام المنصوص عليها فى المادة 364 من هذا القانون 0

وحيث إن النصوص القانونية السالف بيانها تؤكد جميعها أن التحكيم وفقا لأحكامها لا يكون إلا عملا إراديا ، وأن الطرفين المتنازعين إذ يبرمان فيما بينهما اتفاق تحكيم ، ويركنان برضائهما إليه لحل خلافاتهما ، ماكان منها قائما عند إبرام هذا الاتفاق أو ما يتولد منها بعده ، إنما يتوخيان عرض موضوع محدد من قبلهما على هيئة من المحكمين تتولى بإرادتهما الفصل فيه بما يكفل إنهاء نزاعهم بطريقه ميسرة فى إجراءاتها وتكلفتها وزمنها ، ليكون التحكيم بذلك نظاما بديلا عن القضاء ، فلا يجتمعان . يؤيد ذلك أن الآثار التى يرتبها اتفاق التحكيم من نوعين ، آثار إيجابية قوامها إنفاذ هذا الاتفاق من خلال عرض المسائل التى يشتمل عليها على محكمين ، وأن يبذل الطرفان المتنازعان جهدهما من أجل تعيينهم وتسهيل أدائهم لواجباتهم والامتناع عن عرقلتها 0وآثار سلبية جوهرها أن اتفاق التحكيم يعزل جهة القضاء ويمنعها من الفصل فى المسائل التى أحيلت إلى المحكمين 0 بل إن الاتجاه السائد اليوم يخولهم عند إنكار ولايتهم ، تقرير الاختصاص بما يدخل فى نطاقها la Competence de leur Competence ، وإن كان ذلك لا يحول بين جهة القضاء وبين أن تفرض رقابتها - فى الحدود التى يبينها القانون - على قراراتهم التي تنتهي بها الخصومة كلها ، سواء فى مجال الفصل فى ادعاء بطلانها ، أو بمناسبة عرضها عليها لضمان التقيد بها 0

وحيث إنه لا ينال مما تقدم ، ما ذهب إليه المدعى عليه الأول من أن النص المطعون فيه ليس تحكيما إجباريا ، بل هو تحكيم من طبيعة قضائية تولى المشرع تنظيمه عملا بالسلطة التى يباشرها بمقتضى المادة 167 من الدستور ، التى عهدت إليه بتوزيع الولاية القضائية بين الهيئات التى اختصها بمباشرتها دون عزل بعض المنازعات عنها ، وبغير إخلال بالقواعد التى أتى بها الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون المرافعات المدنية والتجارية ، والتي حلت محلها الأحكام التى تضمنها قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 1994 0

وحيث إن هذا الزعم مردود بأن ما قصد إليه الدستور بنص المادة 167 منه التى فوض بها المشرع فى تحديد الهيئات القضائية وتقرير اختصاصاتها ، هو أن يعهد إليه دون غيره ، بأمر تنظيم شئون العدالة من خلال توزيع الولاية القضائية بين الهيئات التي يعينها ، تحديد لقسط كل منها أو لنصيبها فيها ، بما يحول دون تنازعها فيما بينها أو إقحام إحداها فيما تتولاه غيرها من المهام ، وبما يكفل دوما عدم عزلها جميعا عن نظر خصومه بعينها 0 ولا كذلك التحكيم إذا تم باتفاق بين طرفين ، ذلك أن مؤداه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التى يتناولها استثناءً من خضوعها أصلا لها 0 وعلي أساس أن المحكمين يستمدون عند الفصل فيها ولايتهم من هذا الاتفاق باعتباره مصدراً لها 0كذلك ليس فى القواعد التى تضمنها الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون المرافعات قبل إبدالها بقانون التحكيم الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 1994 ، ولا فيما قرره هذا القانون من قواعد ، مايدل على أن التحكيم يمكن أن يكون إجباريا ، بل تفصح جميعها عن أن قبول المحتكمين للتحكيم شرط لجوازه باعتباره طريقا استثنائيا لفض النزاع بين طرفين بغير اتباع طرق التقاضى المعتادة ، ودون تقيد بكامل ضماناتها 0

وحيث إن سيادة الدستور - بمعنى تَصٌّدره القواعد القانونية جميعها - ليس مناطها عناصر مادية قوامها مضمون الأحكام التى احتواها ، والتى تنظم بوجه خاص تبادل السلطة وتوزيعها والرقابة عليها ، بما فى ذلك العلائق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وكيفية مباشرتهما لوظائفهما ، ونطاق الحقوق التى يمارسها المواطنون ، وكذلك الحريات التى يتمتعون بها ، ذلك أن الدستور- محددا بالمعنى السابق على ضوء القواعد التى أنظمها - هو الدستور منظوراً إليه من زاوية مادية بحتة La Constitution au sens material وهى زاوية لا شأن لها بعلو القواعد الدستورية وإخضاع غيرها من القواعد القانونية لمقتضاها 0 وإنما تكون للدستور السيادة ، حين تهيمن قواعده على التنظيم القانوني فى الدولة لتحتل ذراه 0 ولا يكون ذلك إلا إذا نظرنا إليه من زاوية شكلية La Constitution au sens formel لا تتقيد بمضمون القواعد التى فصلها ، وإنما يكون الاعتبار الأول فيها عائداً أولا إلى تدوينها ، وثانياً إلى صدورها عن الجهة التى انعقد لها زمام تأسيسها L`organ Constituant والتي تعلو- بحكم موقعها من السلطتين التشريعية والتنفيذية - عليهما معا ، إذ هما من خلقها وينبثقان بالتالي عنها ، يلتزمان دوما بالقيود التى فرضتها ، وبمراعاة أن القواعد التى صاغتها هذه الجهة وأفرعتها في الوثيقة الدستورية لا يجوز تعديلها أو إلغاؤها إلا وفق الأشكال والأنماط الإجرائية التى حددتها ، بشرط أن تكون فى مجموعها أكثر تعقيداً من تلك التى تنزل عليها السلطة التشريعية إذا عن لها تعديل أو إلغاء القوانين التى أقرتها 0 ودون ذلك تفقد الوثيقة الدستورية أولويتها التى تمنحها على الإطلاق الموقـع الأسمى La Primaute` Absolue التى لا تنفصم الشرعية الدستورية عنها فى مختلف تطبيقاتها ، باعتبار ان التدرج فى القواعد القانونية يعكس لزوما ترتيبا تصاعديا فيما بين الهيئـات التى أقرتها أو أصدرتها 0

وحيث إن الدستور قد كفل لكل مواطن بنص مادته الثامنة والستين حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي مخولا إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها ، وعلي ضوء مختلف العناصر التى لابستها ، مهيئا دون غيره للفصل فيها ، وكان الأصل هو اختصاص جهة القضاء العام بنظر المنازعات جميعها إلا ما استثنى منها بنص خاص ، وكان من المقرر أن انتفاء اختصاص المحاكم بالفصل فى المسائل التى تناولها اتفاق التحكيم ، مرده أن هذا الاتفاق يمنعها من نظرها ، فلا تكون لها ولاية بشأنها بعد أن حجبها عنها ذلك الاتفاق ، وكان النص التشريعي المطعون عليه - بالتحديد السالف بيانه يفرض التحكيم قسرا فى العلاقة القانونية القائمة بين طرفين لا يعدو أن يكون أحدهما مصرفا يقوم وفقا لقانون إنشائه بجميع الأعمال المصرفية والمالية والتجارية وأعمال الاستثمار، وثانيهما من يتعاملون معه من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين ، وكان هذا النوع من التحكيم منافيا للأصل فيه باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة ولايتصور إجراؤه تسلطا أو إكراها ، فإن شأن التحكيم المقرر بالنص التشريعي المطعون فيه ، شأن كل تحكيم أُقيم دون اتفاق ، أو بناء على اتفاق لا يستنهض ولاية التحكيم 0 إذ لا يعدو التحكيم - فى هذه الصور جميعها - أن يكون حملاً عليه ، منعدما وجودا من زاوية دستورية ، فلا تتعلق به بالتالي ولاية الفصل فى الأنزعة أيا كان موضوعها0 بما مؤداه أن اختصاص هيئة التحكيم التى أحدثها النص المطعون عليه بنظر المنازعات التى أدخلها جبرا فى ولايتها، يكون منتحلا، ومنطويا بالضرورة على حرمان المتداعين من اللجوء - فى واقعة النزاع الماثل - إلى محاكم القانون العام بوصفها قاضيها الطبيعي ، فيقع من ثم مخالفا لنص المادة 86 من الدستور 0

وحيث إن البين من المادة 81 من القانون رقم 84 لسنة 7791 المشار إليه أن فقراتها الثالثة والرابعة والخامسة ، وكذلك ما ورد بفقرتيها السادسة والسابعة متعلقا بهيئة التحكيم المنصوص عليها فى الفقرة الثانية - المطعون عليها - تكون فى مجموعها وحدة لا تقبل التجزئة ، إذ يستحيل عزل بعضها عن بعض ، ولايتصور ان يكون لها وجود إذا حكم بعدم دستورية الفقرة الثانية المطعون عليها ، فإن ذلك الحكـم يكون مستتبعا لزوما سقوط الفقرات المشار إليها جميعها 0

فلهذه الأسباب ؛

حكمت المحكمة : بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 18 من القانون رقم 48 لسنة 1977 بإنشاء بنك فيصل الإسلامي ، وبسقوط فقراتها الثالثة والرابعة والخامسة وكذلك ما ورد بفقرتيها السادسة والسابعة متعلقا بهيئة التحكيم المنصوص عليها فى الفقرة الثانية ، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنية مقابل أتعاب المحاماة 0

أمين السر رئيس المحكمة